هي بشائر الخير

ت + ت - الحجم الطبيعي

اعتدت أن أكون هادئاً، خلال موجات المطر المتواصلة وتداعياتها، لا أتذمر، ولا أتأفف، حتى لو لحقت بي بعض الأضرار.

دائماً أعود إلى الوراء قرابة أربعين عاماً، وأتذكر علامات الفرح، وهي تعلو وجه زايد، طيب الله ثراه، وهو يقف مسروراً تحت حبات المطر المتساقطة عليه، غير عابئ بالبلل، وابتسامة عريضة، تزين محياه، عليه رحمة الله، يمد يده ليمسك الخير النازل من السماء، ثم يمسح بيديه على وجهه، وكان، جعل الله مثواه الجنة، لا يحب الحديث عن الأضرار الناتجة عن الأمطار، ويوجه دوماً بتعويض من لحق به الأذى، وأعطى تعليماته للصحف ووسائل الإعلام الأخرى باعتماد تسمية «بشائر الخير» على نعمة رب العالمين كما كان يردد.

وما زالت تلك «الجمعة» حاضرة أمامي، في يوم من أيام الود والمحبة والحنان الأبوي، فقد كنا في بدايات عام 1980، وزار طلبة جامعة الإمارات قائدهم ووالدهم في قصر المقام، بمدينة العين، لطرح مسألة رفع أسعار الوقود في الإمارات الشمالية، واستقبل زايد الطالبات أيضاً، وتحت رذاذ جميل يتساقط من السماء تحدث إليهن، ولم يأبه الأب، وتحاور مع بناته لفترة طويلة، وعندما زاد تساقط المطر قال وهو يودعهن: «المطر بشارة خير، فأبشروا بالخير»، وبعد يومين حل قضية الوقود من جذورها.

نحن ننتظر المطر بشوق ولهفة، فإذا تسرب الماء من باب أو سقف أو نافذة، ودخل البيت، انقلبت مشاعرنا، وحل الاستياء مكان البهجة والفرح، وعلت أصواتنا إذا رأينا الماء وقد تجمع في طرف طريق أو وسط حي قديم، وننسى فجأة أن الماء يحيي الأرض، ويزيد من بركتها.

أقول ذلك، ويدي ليست في الماء البارد، بل هي منشغلة في تجفيف الجلسات الخارجية، وفي ترميم سقف البيت الذي أسكنه، وفي وضع «السليكون» في فتحات النوافذ، التي اتسعت مع عوامل الطقس طوال سنين مضت عز فيها المطر، ولم أتذمر أو أتأفف، ولم أسمح لمن حولي بالتذمر أبداً، فهذه النعمة نترقبها، ونسعد بها، فهي الحياة.

Email