الإيمان أقوى من الجيوش

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يمكن للغرب أن يسيّر العالم في اتجاه واحد، الأوروبي لا يمكن أن يكون آسيوياً، والأفريقي لن يعيش في بلاده كما يعيش الأمريكي، ولا يؤمن بما يؤمن به، حتى وإن تحضّر ولبس البدلة وربطة العنق، وشرب ما يشربون، وأكل ما يأكلون، تبقى الفواصل موجودة وواضحة في السلوك، نتيجة الثقافة المكتسبة.

العالم متعدد الأجناس واللغات، وكذلك الألوان، يعرف الناس من تقاسيم وجوههم، ومن لكناتهم، وإن تحدثوا الإنجليزية أو الفرنسية، والمعتقدات متعددة، تختلف الأديان، وتختلف العبادات، وقد تتداخل المعتقدات في الدين الواحد، وتتفرع منها المذاهب، نتيجة تفسيرات أو اتجاهات إقليمية ومناطقية، وتخالف تلك المذاهب بعضها، ولكن الكيانات الكبرى، تستمر حاضنة لفروعها، وقد تآلف البشر حيناً، وتقاتلوا أحياناً كثيرة، نتيجة لتلك المعتقدات، ولم يستطع أحد أن يقضي على ما هو داخل قلوب الناس وعقولهم، فالإيمان أكبر وأقوى من جحافل الجيوش.

اعتقد من اعتقد في وقت من الأوقات، بأن الحملات التبشيرية قد تكون وسيلة لتغيير معتقدات الأمم الأخرى وشعوبها، وأرسلت الإرساليات، ولم يجنوا غير النزر اليسير، وكان الغالب في البلاد الوثنية، ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في البلاد ذات الديانات، سواء كانت سماوية، أو من «صنع» حكماء، وضاعت قرون ولدت عداوات، بدلاً من أن تخلق تقارباً بين الثقافات، فقط، لأن الغرب نصّب نفسه مسؤولاً عن نشر معتقد هو آمن به، وأراد أن يؤمن به كل البشر.

وفي ظل هذه الطفرة العالمية في تقنيات الإعلام والفن والتواصل، تغيرت الأساليب، وعادت جهات متخفية خلف واجهات «رنانة» في معناها، وما تعلنه من أهداف، وساروا بالعالم كله نحو مرحلة جديدة من مراحل إفراغ النفس البشرية من معتقداتها، فاختاروا ضرب الفضيلة والأخلاق الحسنة، فكل دين رباني، أو معتقد موضوع، قام في الأصل على ذلك المبدأ، وبدأت حرب شعواء، تنطلق من جهاز كمبيوتر أو هاتف نقال، عبر منصات موجهة، تديرها منظمات ممولة، واختاروا الأجيال الجديدة، التي لا تزال في سن المراهقة وبدايات الشباب، وأحدثوا موجة إغراق، حتى تطفو معتقداتهم وتسيطر.

ولنا عودة.

Email