رحيل مخلوف

ت + ت - الحجم الطبيعي

رحم الله المهندس عبد الرحمن مخلوف وأسكنه فسيح جناته، غادر الدنيا جسداً ولن يغادرها اسماً، فاسمه سيبقى محفوراً في ذاكرة هذا الوطن الذي لا ينسى الرجال الذين اصطفوا خلف زايد، طيب الله ثراه، في رحلة البناء والتنمية الحضرية.

كان، رحمة الله عليه، يردد دوماً بأنه جاء إلى أبوظبي متحصناً بشهادته وعلمه، فهو «باشمهندس» متميز، يعمل بناء على المعايير التي تحكم مهنته، ويلتزم بها وبشروطها، كما تعلم في الجامعة، وما اكتسبه من خبرة خلال سنوات عمله، ولكنه فوجئ بأن المطلوب منه وهو المسؤول عن التخطيط، عملاً استثنائياً، وبإشراف مباشر من رجل استثنائي، فكره يحمل مستقبلاً غير منظور، ولكنه مرسوم أمامه بمراحله وأهدافه والمرجو منه، «كان زايد ينظر إلى البعيد ونحن ننظر إلى ما بين أيدينا»، هذا ما كان يصف به المهندس المسؤول عن تخطيط المدينة الجديدة في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي الفارق الذي عاشه في بدايات عمله، والذي أحدث لديه حالة إرباك، واعتقد بأن استمراره في العمل قد لا يطول.

سمعت بعضاً من الذكريات مباشرة من الراحل عبد الرحمن مخلوف، وكان يقولها بحب مشحون بالعاطفة، فهي تعيده إلى أيام شبابه، وإلى بداياته التي خطت له مساراً جديداً، وقربه من صاحب رؤية غير مسبوقة في البناء والتعمير وتجاوز متطلبات المراحل، وكان يقول إنه واكب ذلك الفكر بعد أن تخلص من القيود المهنية، واستوعب امتداد نظرة زايد إلى مستقبل هذه الأرض وناسها، وما عاد يناقش في النظريات المنقولة من الكتب، لأنه شعر بأن التاريخ كان يكتب في تلك اللحظة.

في كل ظهور له، رحمه الله، كان يشرح كيف وضعت أساسات مرحلة البناء، وفي مجالسه التي لا تمل وسنفتقدها كثيراً كان يروي طرائف الحوارات التي كانت تدور عند اعتماد كل مشروع جديد من قبل قائد هذه المسيرة المبهرة.

رحم الله كل موتانا من الجيل الأول، وحفظ من لايزالون بيننا.

Email