تعمير الأرض

ت + ت - الحجم الطبيعي

من بعد الثاني من ديسمبر 1971 لم ينشغل قائد دولة الاتحاد بما عند الآخرين، ولم يخض منافسة مع أحد، كان يعرف أنه قادر على اللحاق بالركب، وأن مهاماً كبيرة تنتظره، واستدعى كل من توسم فيه الخير، وأطلق فرق العمل في كل اتجاه، ولم يغفل عنها، كان متابعاً دقيقاً، يسأل عن أوامره السابقة التي لا ينساها، وقد فشل كثيرون وأصبحوا في طي النسيان عندما راهنوا على الذاكرة.

سمعت مسؤولاً كبيراً يشكو قلة النوم والراحة طوال شهر يسبق زيارة زايد، طيّب الله ثراه، السنوية للمنطقة التي تقع ضمن اختصاصه، هو يترك كل شيء في العاصمة و«يعسكر» هناك، ويراجع تعليمات آخر زيارة، بنداً بنداً، ويزور المشاريع ليتأكد بنفسه من نسبة الإنجاز، ويحاول أن يتدارك كل تأخير أو تقصير، ولا يخفي شيئاً، لأن تجارب غيره فشلت في السابق، ولا يريد أن يكون مصيره مشابهاً لهم، وكان، رحمه الله، يخالف برنامج الجولات الذي نضعه، هو يحدد مساره اليومي، ويعرف طريقه جيداً، يسامح ويعفو عن الأخطاء، ولكنه لا يتردد لحظة في محاسبة المقصر والمتراخي، لهذا كان ما يمكن أن ينجز في سنة يكتمل في بضعة أشهر، وكنا نتفاخر بذلك، وننافس بعضنا البعض على سرعة الإنجاز.

رئيس دولة، يتحدث الكل عن ثراء بلاده، تراه يخوض في وحل سد ترابي انهار في منطقة «الشويب» يوجه الجرافات، ويوزع أعمال مضخات المياه، يبعد الأذى عن أهله في تلك القرية، ويقضي نهاره هناك، أكله وشربه وسط ضجيج الآلات وحركة العمال، مفترشاً الأرض التي أحبها وأعطاها.

انشغل بالبناء، وقضى جل وقته يتابع ويوجه ويقدم النصح، واختار الكفاءات من مختلف البلدان، في البنى التحتية، وفي الزراعة، وفي الاقتصاد والاستثمار، وفي التعليم، وفي القانون، وعمل بنية صافية ليعمر هذه الأرض ويوفر حياة كريمة لأهله، وعين الله تحرس من يعمل من أجل الآخرين ويعمر الأرض.

وقد أوصلنا قادتنا إلى ما نحن عليه الآن، عملوا بما هو بين أيديهم، ولم ينظروا إلى ما بين أيدي غيرهم.

وفي الغد لقاء بإذنه تعالى.

Email