هنا يصنع الفارق

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما وصلت إلى عاصمة الدولة العظمى، وأنهيت إجراءات الفندق، قال لي موظف الاستقبال «عليك بالالتزام التام بما سأقوله لك»، وكان ذلك في عام 2007، فاستمعت إليه وكلي آذان صاغية، خصوصاً بعد أن استرجعت الأخبار التي تنشر عن هذه الدولة، قال «لا تخرج من الفندق متفرداً، حاول أن تكون برفقة الأصدقاء، وليكن جواز سفرك في جيبك، لا تخرج ليلاً من دونه، لأنك قد تبيت في مركز الشرطة، ولن يسمح لك بإجراء الاتصالات قبل الصباح، فقد تُسأل عن هويتك فجأة، وإن لم تكن محتاطاً تحمّل النتائج، واحذر من الغرباء»، وحفظت كل كلمة قيلت لي، وحتى اختصر تنفيذها والالتزام بها، قضيت ستة أيام لم أقترب فيها من باب الفندق الرئيسي، فالمؤتمر الذي سافرت من أجله يعقد في الفندق نفسه، وكل زملائي يقيمون معي، وعندما يخرجون أدعو لهم بالسلامة.

وفي عاصمة أفريقية كبرى حددوا لنا شارعين يقعان في قلب المدينة، لا نحيد عنهما، ولا نفكر، مجرد تفكير، في دخول شارع فرعي أو زقاق، حتى لو أبهرتنا أضواؤها.

وفي دولتين، إحداهما عربية والأخرى آسيوية، رأيت رئيس دولة يترك ضيوفه ويعود إلى عاصمته قبل أن يحل الظلام حفاظاً على سلامته وأمنه الشخصي، وهو المحاط بمئات من المرافقين والحراس ورجال الأمن.

وفي بلاد أخرى، منها عربية وغير عربية، يعتبر السير ليلاً على الطرق الواصلة بين المدن شبيهاً بالسفر بين الدول، نقاط تفتيش إذا خرجت من مدينة وإذا أردت الدخول إلى مدينة أخرى.

وفي الدول المتقدمة والمتحضرة، ومدنها التي تحمل من الصفات مسميات جميلة تعكس رونقها وجمالها، في الغرب، هناك حيث تقع أوروبا، ينصحونك أن تتجنب المترو بأنفاقه ومحطاته وعرباته ليلاً، حيث يحتلها السكارى والحشاشون!

وهنا، في بلادنا التي نحمد الله أن منحنا شرف الانتماء إليها، ننظر بعين الواثق المتفاخر إلى قائمة عالمية صادرة عن «جالوب للأمن والسلامة»، ونحن نجلس على القمة، المركز الأول في «تجوال السكان ليلاً بمفردهم» عالمياً، أكرر عالمياً، وليس إقليمياً أو عربياً أو شرق أوسطياً أو آسيوياً، وهذه مكانة انتجها الذين يصنعون الفارق.

ولنا عودة بإذن الله.

Email