من يكتب التاريخ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

سؤال مهم، إجابته صعبة، وفي الغالب شائكة، قد يتحسس منها البعض، وقد يعتقد البعض الآخر أنه المعني بما سيرد في كتاباتي بهذا الشأن، وحتى نكون واضحين، أقول لكم، هذه مسألة عامة، فالتاريخ شأن عام، مرتبط ببلد وشخصيات وشعب، لا علاقة لها بالأفراد، سواء الذين قدموا أنفسهم على أنهم «مؤرخون» أو اكتفوا بدرجة أقل في التصنيف العلمي وقالوا إنهم «باحثون»، أو حتى كانوا «دارسين» نالوا شهادات عليا في تخصصات محددة تسجل مساراً في حقبة زمنية معينة.

التاريخ ليس رواية تروى، وليس كلاماً مرسلاً دون أسانيد أو إثباتات تؤكد وتوثق المعلومات، وليس اقتطاع كلمات من كتاب وفقرات من وثيقة كاتبها أجنبي وحفظت في مكتبة بلاده، وليس تركيب مسميات على وقائع غير متطابقة لإثبات حجج ضعيفة.

التاريخ تحقق وتثبت وتجرد من الهوى والميول الذاتية، يتصدى له من يعشقه وقضى عمره في الاشتغال به، وارتبط بجانب من جوانبه، فالمؤرخ لا يمكن أن يكون ملماً بكل جوانب الحياة في زمن من الأزمان حتى يكتب عن كل شيء، هناك من يؤرخ الجانب الاجتماعي، وغيره يؤرخ في السياسة والحكم، وثالث يختص بالجانب الاقتصادي، ورابع في الأنساب، وخامس في اللهجات، وسادس في العمارة أو الصناعة أو الزراعة أو الآثار.

فهذا ما نعرفه عن المؤرخين، ولم يمر علينا رغم العمر الذي قضيناه في القراءة والاطلاع «المؤرخ الموسوعة»، ذلك الذي يعرف كل شيء عن كل شيء، فهذا الشخص غير موجود، فإن صدف وبرز شخص يؤرخ لكل شيء فذلك يمكن أن نسميه «جامع معلومات» وليس أكثر!

المؤرخ معرّف منذ القدم، وكذلك الباحث أو الدارس، لكل واحد منهم طريقه وهدفه، ولا خلط بينهم، ولكن هناك «المقتحم» المتطفل الذي يكتب تاريخاً لا يعرفه عن مجتمع لم يعش فيه، وهذا سيكون موضوع حديثنا لاحقاً بإذن الله.

Email