الفن إبداع

ت + ت - الحجم الطبيعي

نترحّم على أيام الفن الجميل والطرب الراقي، والقمم الفنية التي كانت تتربع على عرش الغناء والإبداع، أسماء إذا ذكرت اهتزّت الأرجاء، تقديراً واحتراماً لها، وإذا شدت أسرت الجميع.

في ستينيات القرن الماضي، كانت الساحة الفنية تغصّ بهم، والعواصم العربية تتلقّفهم، في الأعياد والمناسبات الوطنية، وفي الاحتفالات، عبد الحليم حافظ في المغرب، ومحمد عبد الوهاب في لبنان، وفهد بلان في الكويت، وسميرة توفيق في أبوظبي، وأم كلثوم المتفرّدة على العرش دون منازع أو منافس، كانت في باريس، تحيي حفلة لدعم المجهود الحربي، وإزالة آثار العدوان بعد حرب 67، ونجاة وشادية وفايزة أحمد ومحرم فؤاد وماهر العطار ومحمد رشدي، ومن خلفهم جاء جيل جديد من المغرب العربي الكبير، ومن الخليج، ولا ننسى بغداد، وما أحلى بغداد، عندما يتغزّل بها ناظم الغزالي.

زخم يملأ الدنيا سعادة، ويخفّف من وطء ما يحيط بهذه الأمة من مآسٍ، فأغلب الذين ذكرتهم، تغنّوا في حب الأوطان، وساهموا في رفع المعنويات، وبثّوا روح التفاؤل بين الشباب، وأشعلوا حماسهم، وكانت الملايين تتابعهم، عبر الإذاعة التي تنقل أغانيهم الوطنية على الهواء، وقد فعلها النجم الأول في ذلك الزمان، عبد الحليم حافظ، يوم تحطيم خط بارليف، في 6 أكتوبر 1973، كانت الأمة كلها «فلورز» لمن يستحق، وعبد الحليم كان يسمى بمطرب الملوك، ومع ذلك، لم يتوقف عن الغناء للفقراء والفلاحين والعمال، ولم يتكبّر أو يتجبّر، ولم يقل في يوم من الأيام، إنه «الرقم واحد»، لأنه كان يعلم أن القمة تتسع لأكثر من واحد، وفي مجاله، هناك قمم إذا غنّت أسكتت، وإذا عزفت أبكت، وإذا وقفت، وقف الجميع تحية لها.

تذكرت كل ذلك، بعد أن رأيت مقطعاً مصوراً لشخص يقال إنه فنان، يمثّل ويغنّي، ويعشق التصوير، ونصف جسمه الأعلى مكشوف، ويحب أن يرافق الحيوانات، وعندما انتقده البعض، منحهم وصفاً لحيوان أيضاً، وأردت أن أقارن بين زمان وزمان، فتراجعت، حتى لا أظلم الفن، بسبب أدعياء الفن، الذين جمعوا أصفاراً شمال «نمبر ون»!

Email