الانحدار

ت + ت - الحجم الطبيعي

سمعت تسجيلاً لشخص يقال إنه شاعر معروف، وليتني لم أسمعه، فقد أسفت أشد الأسف لحال وصلنا إليه نتيجة مفهوم خطأ، واستخدام غير مسؤول، لوسائل أتيحت حتى نرتقي عبر التواصل السريع والمباشر، فإذا بالبعض تأخذه الحمية، وهو في وضع غير سوي، وتفلت منه ملكة العقل والرزانة واحترام الذات، وتقدير الآخرين، وأسفت على لغة ميزها رب العزة جلت قدرته، فاستخدم أسوأ كلماتها، وأكثرها انحطاطاً عندما يخاطب بها العامة.

الشاعر عف اللسان أو «ذرب المعاني» كما نقول في عاميتنا، يتفاخر متى ارتقى بلغته، ويتباهى إذا أوصل ما يريد من دون أن يخدش الحياء أو يجرح المشاعر، فهو في الأصل قدوة لجيل قادم، ولشعراء يصغرونه سناً، خصوصاً إذا كان هذا الشاعر قد عرف بين الناس بقصيدة أو أكثر لامست أحاسيسهم ذات يوم، وكانت له قصص وحكايات، أكسبته تعاطفاً، فمثل هذا الشخص إذا سقط سحب معه غيره إلى الوحل، الذي خاض فيه، فتسبب في إحباطهم، وابتعادهم عن الشعر ما دام الشعر بهذا الرخص.

قمم من أهل الشعر والأدب تساقطوا عندما انحدروا أخلاقياً في كتاباتهم، ولم يشفع لهم تاريخهم، فمن يخرج عن المسار يتحمل عواقب فعلته، ومن اختار أن ينحدر في اتجاه الهاوية كانت الهاوية مستقره، فالشعر أدب وتعبير عن نعمة وهبت للشاعر، ذلك الإنسان الذي يصارع كل التحديات، التي تواجهه ليوصل كلمته، ويفرح بوقعها في نفوس المتعلقين، وهم في الأغلب من ناسه وأهله، بينهم أخواته وبناته وخالاته وعماته، وكل الذين يفرحون بعطائه، فإذا كان ذلك العطاء وما جادت به القريحة فيه من «سواد الوجه» ما يقطع أستاراً شكلتها الطبيعة البشرية لتحمي مكوناتها، هنا، نقف جميعاً، وننظر إلى الفعل وما وصل إليه من تخلٍ، وبإرادته عن العفة والقيم، التي تربى عليها، والأدب الذي اكتسبه من الذين سبقوه، ونضع علامات حول المصير الذي ينتظره، فهو على ما يبدو بدأ «يهرول عبثاً»!

Email