انتهى زمن الاستحواذ

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأطماع الاستعمارية ولّى زمانها، وأحلام الأباطرة وصناعة الإمبراطوريات مكانها عقول مريضة تأثرت بقصص وحكايات، بعضها صحيح وأغلبها أوهام، وما كان يصلح في أزمان غابرة أصبح مرفوضاً في زماننا هذا، ولكن هناك من لا يتعلمون ولا يستفيدون من الدروس!

الإمبراطورية البيزنطية التي أخضعت أمماً، واستعبدت شعوباً، تقلصت حتى انحصرت في اليونان، والإمبراطورية الرومانية بقياصرتها وزعاماتها التاريخية وقوتها التي لا تقهر، من حكمت الشرق والغرب، وتحكمت في معتقدات الشعوب ومقدراتهم، أصبحت إيطاليا الحالية كبيرة عليها، وإمبراطورية الفرس التي فرضت سطوتها على البحار والصحاري، وامتدت في كل الأرجاء، تكفيها اليوم الحدود الجغرافية لإيران، والدولة العثمانية، والتي حملت اسم الخلافة الإسلامية خمسة قرون، عادت كما بدأت، واستقرت في تركيا، وتوسعات النازية وأحلام أوروبا الخاضعة لسيادة هتلر، رجعت بألمانيا إلى حقيقتها دولة من بين الدول الأوروبية، وما زالت تحاول أن تنفض آثار حقبة سوداء لطخت سمعتها.

اليوم، نحن في زمن آخر، تشكلت فيه دول ذات سيادة، تحميها قوانين إنسانية وطنية ودولية، لا تقبل بالعودة إلى عصور كان الأقوياء يبتلعون فيها الضعفاء، وكان بعض الأشخاص يرضون غرورهم بغزو جيرانهم، فقد تكيفت كل البلاد مع واقعها، وارتضت لنفسها نظام حكم وأسلوب حياة وعقيدة توافق عليها الجميع، فإن برزت مشاكل داخلية يكون الحل داخلياً أيضاً، ولا يملك أي طرف حق التدخل، ولكن ذلك لا يحدث، فهناك من لا يزال يعيش على فكر التوسع وبسط النفوذ، مستخدماً حججاً واهية، منها الانتماء العقائدي، أو حماية أقلية فكرية وحزبية، وبعضهم يستدعي التاريخ، ويسترجع أيام الاستعمار والقرصنة ونهب الثروات، ويعتقد أن له حقوقاً ممتدة إلى الأبد في بلاد أصبحت مستقلة وتمثل نفسها، وهناك من يظن نفسه مصلحاً بعد أن حقق نصراً في بلاده، سواء بالانتخاب أو بالاغتصاب، ويؤسس نظام حكم فئوي يقرر أن يصدّره للآخرين.

عالم اليوم ليس قابلاً للاستحواذ، ولا يقبل بالتوسع والامتداد للحالمين والواهمين.

Email