أفغانستان.. مقبرة الأحلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه عودة إلى أفغانستان، المشهد يتكرر، ولكنْ المؤدون سيختلفون، عام 1980 يختلف عن عام 2021، تبدّلت أجيال، وتداخلت مصالح، وظهر لاعبون جدد وسط كل المتغيرات التي طرأت على العالم.

في 1980 دخلت إلى أفغانستان جحافل الجيش السوفييتي، القوة الموازية للولايات المتحدة، بحجة حماية النظام الشيوعي الذي استولى على الحكم بعد الانقلاب على آخر الملوك محمد داوود، الجيش الأحمر، بإمكاناته وسمعته، أسقط كل أمل كان يراود الشعب الأفغاني، وقد ظنّ العالم أن الأمور قد حُسمت، وأن حكم السوفييت القادمين من الشرق والشمال سيطول لهذا البلد الصغير والفقير، ولم يعتقد أي شخص، مجرد اعتقاد، بأن ذلك الغزو سيكون بداية النهاية للمنظومة الاشتراكية الدولية، وأن أكبر دولة في العالم ستتفتت بعد عشر سنوات لتعود إلى ما كانت عليه أوضاع وسط وشمال آسيا وشرق أوروبا قبل 70 سنة، عشر سنوات رسمت خلالها خريطة جديدة شملت الجيران وجيران الجيران لأفغانستان، التي أبت الخضوع لإرادة الأقوياء، وتحول ترابها إلى جمر وشوك أدمى أرجلاً وطأته، وظهرت جماعات واجهت الغزاة من أجل وطنها، ثم اشتبكت المصالح والمنافع، وتدخّلت قوى خارجية، وغادر الروس بعد سقوط الدولة العظمى، ولم تعد أفغانستان إلى عهدها السابق.

الصورة اليوم تعكس ملامح ذلك الزمان، ولكننا في 2021، والمحتل الذي قرّر أن يغادر هو الجيش الأمريكي، بعد قرابة عشرين عاماً من الاحتلال ومحاربة فلول «طالبان» آخر التنظيمات التي حكمت أفغانستان، الرئيس الديمقراطي هو صاحب القرار بعد تفاهمات سرية في الدوحة، ومع «طالبان» التي تحتل شبراً من الأرض مع مغادرة كل جندي أمريكي، و«العقبان» تتحين الفرصة، الكل يريد قطعة من أفغانستان، إيران في الغرب تطلق حشداً مذهبياً وتسلّحه، وتركيا تريد أن تدير مطار العاصمة، ومنه تدعم جماعات الإخوان التي تناحرت من قبل مع فصائل المجاهدين من أجل الحكم، والروس ينقلون معدات عسكرية إلى الدول المجاورة لهم ولأفغانستان، و«داعش» و«القاعدة» وبقايا الذين قاتلوا في سوريا وليبيا سيظهرون قريباً هناك، وسنعود إلى ذلك المشهد بعد 41 سنة، ولأنها مقبرة الغزاة والطامعين ستسقط دول وأنظمة وستتغير خرائط وتبتلع جيوش وتموت أحلام!

Email