القلة لا تفرض رأيها

ت + ت - الحجم الطبيعي

فشلت الحملات العسكرية بقيادة الملوك العظام، في تغيير قناعات أهل الدول التي احتلت بقوة السلاح، ولم تنجح الحملات التبشيرية المتخفية خلف العبادة وأعمال الخير، في إقناع سكان المناطق الفقيرة بالتحول الطوعي إلى معتقدات غير معتقداتهم، ولم تنجح الأغلبية الدينية، في تبديل فكر الأقليات المتمسكة بقناعاتها، والأمثلة الصارخة ما زلنا نشاهدها في الألفية الثالثة، فهذه الطباع لم تكن في أزمان غابرة فقط، بل هي تعيش في النفوس على مر العصور، ولا دخل لها في تحضر أو اتساع أفق أو ثقافة مستنيرة.

ليست هناك فئة مخولة بفرض معتقداتها وقوانينها على البشرية جمعاء، مهما كانت قوة تلك الفئة، ومهما امتلكت من وسائل تأثير في فكر الآخرين واهتماماتهم، هناك خطوط حمراء مرسومة في أفئدة الناس، لا يراها أحد، ولكنه يشعر بها، صاحبها ومن يريد أن يحطمها، الاثنان يشعران بها، إنها مجموعة من المشاعر والالتزامات، تختلط بالإيمان، وتسري في الدم، مثلها مثل «الفؤاد»، الذي نسمع به ولا نعرف أين يقع في جسم الإنسان، حتى لو سألنا الذين يدرسون علم التشريح، وقد فسره بعض فقهاء وعلماء الدين والفلاسفة المفكرون، بأنه نقطة التقاء العقل والقلب والإيمان والضمير، وهذه المرتكزات البشرية، تشكل الانتماء والولاء، ولأنها كذلك، نراها عصية وصامدة.

الذين يحملون المعاول لهدم الأسس التي قامت عليها المجتمعات بانتماءاتها وعقائدها، هم من يشجعون الفكر المتطرف للظهور والانتشار، لأنهم انحازوا إلى فئات تطرفت في انحلالها، وتريد أن تفرض سلوكها الخارج على المألوف، والمستقر بين طوائف وفئات المجتمع، وهذه قمة العنصرية، فأي فئة، سواء كانت على حق أو باطل، لا يحق لها أن تختصر سلوكيات البشر في توجهاتها، ومخطئ كل من يعتقد بأن مساندة فئة قليلة، وفرضها على الأغلبية، يحقق المساواة بين فئات المجتمع الواحد، بل يميز، مع سبق الإصرار، القلة على الأغلبية، ويقلب موازين الحياة، ويحدث هزة تنتج عنها فجوة لا يمكن ردمها.

وغداً نكمل.

Email