اتفاق واختلاف وتناقض

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يمكن لأي قوة على وجه الأرض أن تجعل من البشر نسخة كربونية متطابقة في سلوكها وتصرفاتها ومعتقداتها.

البشر أمم وثقافات وعادات وتقاليد وتعاليم دينية، وسلوك تفرضه ظروف المعيشة، وحتى ظروف الطقس وتقلباته تتدخل في نوع الحياة التي تعيشها الشعوب، وتميزها عن غيرها، في لباسها وشكل بيوتها وأنواع أكلها ومصادر رزقها وطقوس دينها، أياً كان الدين، وأياً كان المذهب، وأياً كانت التأثيرات المحيطة بها والمؤثرة فيها.

وقد تتشابه الأمم، في الشرق والغرب، بممارسات راكمتها السنين، لتصبح العادات متقاربة، ولكن المصادر تختلف، والنتائج تتعارض، فئة تستهدف شيئاً، وفئة أخرى تستهدف ما يخالف ذلك الشيء، ومع ذلك تنشغل كل فئة بشأنها، لا تحاول أن تفرض ما تعتقده صواباً في ثقافتها المحلية على الآخرين، فآراء البشر تتناقض نتيجة تناقض الرؤية والاقتناع.

العقائد ليست وليدة يوم أو سنة أو قرن، والمجتمعات ليست مثل أسنان المشط، مصفوفة ومتساوية، فهي محصلة أزمان ضاربة في جذور مراحل التكون البشري، عندما تلاقت المجموعات الصغيرة ببعضها بعضاً، وتعايشت في جوار بعضها بعضاً، وقبلت كل مجموعة الآخرين كما هم، وهؤلاء كونوا المجتمعات التي تحولت إلى مدن وبلدان وأمم تتوحد في جوانب وتختلف في أخرى، وغالباً ما يكون الاختلاف في الانتماء العقائدي، أي الدين، ولم يؤثر ذلك في وضع إطار عام يشكل المظلة التي يجتمع تحتها الكل، مع بقاء حرية الاعتقاد وممارسة العبادات حقاً من حقوق مختلف الفئات، كل فئة ودينها، وكل فئة ومذهبها، وكل فئة وحلالها أو حرامها.

ذلك كان في البلدان التي تضم شعوباً مختلطة، وقد رأينا في العقود القليلة الماضية كيف انشقت مجتمعات بعض الدول عندما حاولت فئات فرض إرادتها على الآخرين، فاندلعت حروب تطهير حولت التعايش والتسامح إلى بغضاء وكراهية، أما في البلدان التي تتبع عقيدة واحدة فالأمر مختلف، فهي أكثر حفاظاً على استقرار مجتمعاتها، ولكن في الآونة الأخيرة ظهرت موجة تدخلات خارجية تسعى إلى فرض رؤيتها ومعتقداتها على تلك المجتمعات لتشق الصفوف وتحدث شرخاً.

.. ويطول الحديث

Email