الهوية عنوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

التسامح لا علاقة له بالهوية والانتماء، هذا شيء وذاك شيء آخر، ولكن بعضنا اشتبهت عليه الأمور، فتخالطت التفسيرات، وتشابكت التقديرات، وتاه الناس وسط «معمعة» تعريفية غير متزنة أو مستندة إلى ركائز ثابتة ودقيقة.

التسامح يعني أن تكون نقي السريرة تجاه كل بني البشر، بعيداً عن الأصل والعرق واللون والدين، وأن تحترم الجميع ولا تميز بين شخص وشخص آخر، ولا تناصر فئة على فئة أخرى، لم تخرج على الحق، ولا تسخر من ثقافة غيرك أو عاداته ومعتقداته، وأن تتعايش في سلام مع محيطك بما حوى، وتتشارك معه في الشأن العام، فتحافظ على أمنه كما يحافظ على أمنك، وتنشر الاطمئنان في مجتمعك، ولا تتدخل في شؤون جارك وخصوصيته، هو لديه مساحة من الحرية يتحرك خلالها وأنت لديك مساحتك، سواء أكان في بيته أم مكان عبادته، أنت لك دينك، وهو له دينه، أنت تتبع من تتبع في معتقداتك، وهو يتبع من يشاء في معتقده، له حدود يلتزم بها، وأنت لك حدودك.

تلك بعض ميزات التسامح والتعايش بين الأفراد وفئات المجتمع الواحد، وما يجب أن يسود بين الأمم، لمن ينشدون الأمان والسلام، ومن يبحثون عن الاستقرار وعيش حياة كريمة بعيدة عن الصراعات والمنغصات، فالتآلف خير من التنافر، والمحبة تجب الكراهية، بدلاً من كل هذا الذي نراه حولنا، وكم الحقد والتحريض المنتشر في بقاع الأرض، طلباً لمصالح آنية وأطماع شخصية، تخلف الموت والتشرد، وتهدم حضارة، فهذا العالم لن تحكمه أمة واحدة، ولن يدين بدين واحد، ولن يتفق على عادات وثقافات متطابقة، فالهوية والأرض والانتماء أسس تكون المجتمعات واختياراتها، فإذا تمسك بها أهلها لن يعيبهم شيء، بل يستحقون عليها التقدير والاحترام، وهي لا تتعارض مع التسامح، ولا تتصادم معه، فالهوية عنوان للشعوب والأمم على مر العصور.

لكل بلاد انتماء وجذور ضاربة في أعماق الأرض، منها تتشكل الهوية، ويكون الولاء، فهي العنوان، وهي الفخر، وما التسامح إلا رافد يأخذ البشرية إلى القمة، قمة الرقي والتحضر.

Email