ما بين التسامح والاختلاف

ت + ت - الحجم الطبيعي

العالم بحاجة إلى معجزة حتى يصل إلى الحد الأدنى من التسامح.

جذور العداء والاختلاف أعمق من تصوراتنا التي رسمها المنظرون.

الخرائط مفتوحة أمامنا، وفوهات البراكين مرسومة عليها، آخرها انفجرت قبل بضعة أيام، هناك في وسط آسيا، بين قرغيزستان وطاجيكستان، وهما دولتان بالكاد نسمع بهما، كانتا ضمن دولة واحدة سبعة عقود، تحكمان بالنار والحديد من قبل أصحاب النظرية الاشتراكية التي يجب أن تسود العالم، المؤمنين باستعباد الناس، تحت شعارات تكفر بكل القيم الإنسانية، وتعلي فلسفة «مهلوس» قرر أن يعكس موازين الحياة، وبعد عمرها غير المديد، وكوارثها التي لا تحصر، سقطت تلك الدولة ونالت الشعوب المقهورة حريتها، واختفى الاتحاد السوفييتي، وبعد ثلاثين عاماً تتقاتل الدولتان، قرغيزستان وطاجيكستان، على بضعة أمتار من الأراضي المتداخلة ومياهها المشتركة، وهي لا تساوي حياة شخص واحد قتل في هذا الصراع المستحدث.

غاب التسامح، وانطلقت المدافع، وسقط عدد من الضحايا، وهم جيران يتبعون ديناً واحداً، ولم يشفع لهم دينهم أو تنتصر لهم علاقاتهم الأبدية، ليضيفوا إلى مآسي العالم مأساة جديدة لم تكن ضمن النقاط الحمراء المنقوشة على الخرائط والمعبرة عن مناطق إراقة الدماء، ويتكرر مشهد أرمينيا وأذربيجان، وروسيا وأوكرانيا، والهند وباكستان، والصين والهند، والصين والفلبين، وتركيا وقبرص، وتركيا واليونان، وتركيا وليبيا وسوريا، وتشاد والمرتزقة، وإثيوبيا وجيرانها ومقاطعاتها، والصومال وطوائفه وعقائدها، وميانمار العسكرية والمدنية والدينية، واليمن وعمالة الحوثي وخيانة الإخوان وتراخي الشرعية المترهلة، والقدس والصراع الأزلي على مقدساتها وهويتها.

أطراف تتحدث عن التسامح ولا تتسامح.

وأطراف تتحدث عن التعايش ولا تتعايش.

وأطراف تترك الحديث وتلجأ للقوة وفرض الأمر الواقع.

وفي الخفاء، في المنطقة المظلمة غير واضحة المعالم، هناك أطراف غير مرئية، تلعب في السر، حاملة مشاعل نار توقد بها الفتن بين فئات أزاحت التسامح والتعايش لمصلحة التناحر.

Email