قلة منحرفة وأغلبية مجتهدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

وزارات التعليم العالي في دول الخليج متيقظة، هكذا يفترض أن تكون، فذلك واجبها، هي المسؤولة عن حماية سمعة البلاد، فحملة الشهادات العليا رموز وطنية، ويشكلون النخبة في كل المجالات والتخصصات، وبهم تنهض الأمم، بينما الجامعات تمثل قيمة مضافة إلى الاقتصاد، ورافداً مهماً للناتج العام، وحاجة ملحة للمجتمع، سواء كانت جامعات مؤسسة في دولنا أو فروعاً لجامعات أجنبية وعربية، ونحن هنا في الإمارات نقدر دورها ومردودها، ونعرف أن هناك رقابة دقيقة عليها، ونسمع بين الحين والآخر عن تجميد بعض الأفرع العلمية في جامعات معتمدة، كما نسمع عن إلغاء بعض التراخيص، وسحب الاعتماد كلياً من جامعات أخرى، وهذا يعني أن المعايير مطبقة بدقة وشفافية، وأن المخالفات قد تصوَّب بالإنذارات والمراجعات الدورية، أما الأخطاء الأكاديمية المؤثرة على التحصيل العلمي ومستوى الدارسين، والسمعة السيئة لبعض الجامعات، فتلك لا ينفع معها تقويم أو تصويب أو إمهال إلى حين أو إنذار، فلا يكون أمام التعليم العالي غير تخليص المنظومة العلمية في الدولة من مثل تلك الجامعات.

ومع كل ذلك، مع الدقة والمتابعة والشفافية والمراجعة والتدقيق والرصد والتحذير، وتصحيح المسارات، والتخلص من الشوائب، أقول لكم، مع كل ذلك قد تكون هناك مخالفات فردية ومنفردة، يرتكبها مدير يريد أن يرفع نسبة الأرباح السنوية، أو موظف يريد أن يرفع من رصيده الشخصي في البنك، أو أستاذ مجامل يريد أن يحقق سمعة ليجذب أكبر عدد من الطلبة إلى المواد التي يدرسها، كل ذلك يمكن أن يحدث، ليس عندنا فقط، بل في الدول العريقة، وفي الجامعات الأعرق على مستوى العالم، وقضية الكويت المثارة حول حملة شهادات الدكتوراه تتحدث عن جامعات أميركية وأوروبية؛ فالرشوة فعل منفرد، وموت الضمير تصرف فردي، وحب التفاخر بحرف «الدال» قد يصيب أفراداً نفوسهم مريضة.

الدنيا لم تنته بشخص أو بضعة أشخاص حصلوا على شهادات عليا عن طريق الغش والتزوير، وهذه ليست ظاهرة، وكما قلت بالأمس لا تعم فتشمل كل من يحملون تلك الشهادات، ولا يقبل المجتمع بأن يشكك في أبنائه، الذين أضاعوا سنوات من عمرهم في التحصيل العلمي والتخصص لخدمته، فأفعال القلة المنحرفة يجب ألا تسلب حقوق الأغلبية المجتهدة.

 

Email