التاريخ يبدأ بهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذكّرني رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم بأولئك الأشخاص الذين يعتقدون بأن التاريخ في الدولة التي يحكمونها أو المؤسسة التي عُيّنوا على رأسها يبدأ منذ اللحظة التي وطئت فيها أقدامهم ذلك المكان.

كمٌّ كبير من رؤساء الدول أرّخوا ميلاد بلادهم بتاريخ تسلُّمهم السلطة، وخاصة الذين اتّسموا بالديكتاتورية، وظنوا أنهم وُلدوا لينهضوا بدولهم، وتشاء الأقدار أن يكون أغلبهم سبباً في تدمير كل مقومات الدولة، وإفقار شعوبهم، ونشر الأمية والجوع بينهم، ولم ينتهوا قبل أن يخلّفوا عشرات الآلاف من البشر ضحايا اعتقادهم الخاطئ، وفيهم من تسبّب في قتل الملايين مثل هتلر وموسوليني والخميني وستالين ونابليون، وغيرهم كثيرون، كلهم مسحوا التاريخ والأسماء والإنجازات.

وتعمّدت عدم ذكر أسماء قادة عرب أعادوا بلادهم وشعوبهم إلى الوراء عشرات السنين لأنهم ظنوا أن النساء لم تلد غيرهم، فنحن في هذه الأيام نتجنب إثارة المشاعر، وما عندنا من مصائب خلّفها البعض في مناطقنا يكفينا حتى نتعظ، خاصة عندما نرى العراق وما فعله به وهم الزعماء المزيفين، أو اليمن وما فعل فيه عاشق للسلطة، وسوريا وليبيا بعد عقود من حكم الرجل الأوحد ونظامه الفاسد.

وإذا ابتعدنا عن الحكم والاستبداد سنذهب إلى بعض الأشخاص الذين يظنون أن تكليفهم بمسؤولية مؤسسة «هبة» من رب العالمين لأنهم الأفضل والأحسن والأفهم والأجدر، فيكونون مثل هذا الشخص الذي يتربع على قمة أكبر وأغنى وأهم مؤسسة رياضية في العالم، وهو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو، الذي يرأس الاتحاد منذ عامين فقط، والمونديال الذي انتهى البارحة هو الأول تحت رئاسته المباركة، وكان هناك عشرون «مونديالاً» قبله، ومرّ عليها رجال حُفرت بصماتهم في تاريخ اللعبة، أما اللاعبون فقد كانوا وما زالوا أيقونات تحتل مكانة في قلوب عشاق اللعبة، ومع ذلك يدعي هذا الرئيس «أبو سنتين» أن البطولة الحالية التي استضافتها روسيا هي الأفضل على الإطلاق.

بصراحة، لا نستطيع أن ننكر أننا استمتعنا بالبطولة، ولكننا لم نستمتع مثل بطولة 1970 التي تابعناها صوتاً فقط عبر إذاعة لندن، فقد كان بيليه هناك، ومن بعده كان كل اسم يجذب الملايين قبل تلك السنة وبعدها، ما عدا هذه البطولة، إنها الوحيدة التي لم يبرز فيها أحد!

وللحقيقة، كنت أظن أن المسؤولين العرب فقط هم الذين يعتقدون أن التاريخ يبدأ لحظة تسلّمهم المسؤولية، وأن الأوروبيين قد تخلصوا من هذا المرض، ولكن إنفانتينو أثبت أن هذا المرض عالمي.

Email