دعونا نلعب

ت + ت - الحجم الطبيعي

ننتظر كأس العالم، نريد أن نخفف الضغط الذي يغلف حياتنا قليلاً، نريد كرة يركض خلفها مجموعة من الرجال، هذا يركلها، وذاك يقذفها، بالرأس وبالرجل، والأيدي تتدافع فيصرخ أحدهم، ويتلوى من الألم غيره، وجمهور يردد الأغاني ويلوح بالأعلام ويتأوه مع ضربة طائشة، وفي المقابل دموع تذرف إذا دخلت الكرة في المرمى ولامست الشباك، ومعلق تتقطع حنجرته من شدة حماسته، ونحن من خلف شاشات التلفزيون نوجه ونشتم ونلعن ونبحث عن فرح وكأننا نلعب معهم.

تعبنا من المآسي، الفيتو الأميركي أصبح وكأنه «روتين» اعتدنا عليه، لا حماية دولية للفلسطينيين، فهذا قدرهم، أن يكونوا هكذا، مكشوفين من أمامهم ومن خلفهم ومن تحتهم، يموت منهم واحد فلا نبكي، ويموت أكثر من خمسين فلا نهتم، تجمدت كل شعيرات التعاطف وسدت الخلايا، ففي سوريا يموت كل يوم مئات، ويشرد مئات ويهجر مئات، وفي البحر تأكل أسماك القرش جثثاً طازجة سقطت من زوارق الهجرة غير الشرعية، وإيران تقتل وتهرب، وتنكر أنها تعيث فساداً في أرض الشام، والمجرم «سليماني» يمر من تحت أنظار طائرات «درون» ولا تستهدفه، والكذاب الأكبر ما زال يخطب من مكان سري، ربما يكون ذلك المكان في «الجليل» تحت حراسة إسرائيل.

تعبنا ونحن ننتظر أن تحل قضية ليبيا في باريس، حيث لا ينفع سلام أصحاب البدل الأنيقة، فالموت أكبر منهم، والدمار ما زال غير مكتمل، والتقسيم يشرف عليه رعاة المصالحة، وبغداد تخرج من حفرة لتقع في أخدود عظيم، يريدونها أن تقتل ألف مرة على يد أبنائها، فالكل يطمع في العراق، والإيراني يلعب مع كل الأطراف.

تعبنا، أتعبنا أهل السياسة، وأتعبنا تجار المخدرات والسلاح، وأتعبنا أمراء الحروب، من الصومال حتى الصحراء المغربية، أموال تحصد الأرواح، وقلة قليلة تجمع الثروات، وآن الأوان لأن نطلب هدنة، مثل تلك التي حصلنا عليها قبل أسبوع، عندما استطاع ذلك الشاب النحيل أن يجمع الأمة كلها على موقف واحد، كلنا تعاطفنا مع محمد صلاح، وهو لاعب كرة مصري يلعب مع فريق انجليزي، وقد أردناه أن يحقق شيئاً نفخر به، أن يسجل هدفاً أو يصنعه لأحد زملائه، في تلك الليلة لم يكن هناك عربي يؤيد «ريال مدريد»، كان الكل يؤيد محمد صلاح، وعندما سقط مصاباً سقطت الآمال معه، وعندما بكى ألماً بكت القلوب قبل العيون لأجله، وأصبح هذا الشخص الفرد رمزاً، فنحن لم نجتمع على شخص منذ أمد طويل، لهذا سنذهب بعد 12 يوماً إلى كأس العالم لننسى مآسينا، ونشاهد رجالاً يركضون خلف كرة.

Email