الثقة أولاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

أراد دونالد ترامب أن يكون مختلفاً في سياساته وفي تصرفاته، وحتى في دعمه لحلفائه، ولكنه سقط في مستنقع السياسة والأجندات المسبقة لبعض القوى المؤثرة، فإذا به يقاد إلى طريق الآخرين تحت ضغط تلك القوى، ولا نستبعد أن يقف ذات يوم مردداً ذلك السؤال الذي أطلقه جورج بوش الابن: «لماذا يكرهوننا؟».

ترامب فتح الدفاتر القديمة، كأنه تاجر في زمن الكساد، يبحث عن فواتير غير مدفوعة، وخلط بين السياسة ومهنته المرتبطة بالعقارات، وهدد الحلفاء قبل الأعداء، مردداً وجوب دفعهم تكاليف ما سماها الحماية الأميركية لبلادهم أو أنظمتهم، معتبراً ذلك خدمة مجانية قدمتها بلاده في أزمنة سابقة، وليست تمدداً «إمبريالياً» لحماية الدولة العظمى التي هي بلاده، حاول عكس الصورة، إنه يريد ثمناً لنفوذه وتدخله في شؤون غيره وسيطرته على الثروات والصفقات الكبرى.

وترامب حاول تجميع العالم حوله لمحاربه الإرهاب، ولكنه لم يستطع أن يضع تعريفاً دقيقاً للإرهاب، فأفشل المواجهة أو كاد، فالحرب ضد التشدد والتطرف والأفكار العدوانية والكراهية حصرها ضد تنظيم «داعش» و«القاعدة»، ويتردد في تحديد هوية حزب الله اللبناني، يصنف بعضاً منه ويتجاهل البعض الآخر، ولا ينطق بكلمة واحدة تجاه «الحشد» الذي شكلته إيران في العراق وسوريا، برغم الإثباتات الموثقة بالصوت والصورة، وجرائمهم ضد الإنسانية، ومخالفتهم العهود والمواثيق الدولية في معاملة الأسرى، ولا يعتبر الإخوان إرهابيين، ومشاهد جرائمهم في مصر تملأ الدنيا، واعترافات قادتهم في وسائل إعلامهم لا تحتاج إلى تقارير أجهزة المخابرات، وإيران لا يعرف أين يضعها، فهي ما زالت تهدد جيرانها وتتمدد في المنطقة العربية فقط، لهذا لا يعتبرها خطراً داهماً، ويتشارك معها في قتال «داعش» في العراق، ويعترف بقاسم سليماني والحرس الثوري قوةً مقاتلة، ولا يصنف أتباعها ضمن قوائم الإرهاب، وقد احتاج إلى سنة بعد أن منحهم أوباما سنتين ليكتشف أن الحوثيين يستخدمون صواريخ بالستية ضد المناطق المدنية في السعودية، وهي من صنع إيران، ومع ذلك يقول وزير دفاعه إن مواجهة إيران ستكون دبلوماسية وليست عسكرية، ولهذا تركت مندوبتهم في الأمم المتحدة تعلن ذلك وليس أحد جنرالات جيشه!

عندما يكون لديك حليف تعتمد عليه ولا تجده وقت الحاجة تفقد الثقة به، وعندما يستغل الصديق والحليف انشغالك ويصدمك بقرار لم يفعله تسعة رؤساء مروا على البيت الأبيض منذ عام 1967، وهو عام احتلال القدس، ويعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، لحظتها تتجمد المحبة، ويتردد ذلك السؤال الصعب.

Email