رحـل البرزاني

ت + ت - الحجم الطبيعي

رحل مسعود برزاني، تنازل عن رئاسة كردستان العراق التي تشبث بها بعد انتهاء ولايته، حمل أوهامه وأحلام والده الراحل وأمنيات بعض المحيطين به، وابتعد عن السلطة.

من شاهد مسعود برزاني في برلمان كردستان يوم أول من أمس لا يقول إنه هو ذلك الشخص الذي كان يدعو إلى الاستفتاء قبل شهر، اختلفت الصورة، وتغيرت الملامح، وغابت نبرة التحدي، كان الانكسار واضحاً في كلامه وحركة جسمه وتعابير وجهه، إنه ضحية الغرور.

وقبل أن يرحل مسعود برزاني أعاد إقليم كردستان خمسين عاماً إلى الوراء، نزع عنه كل المكاسب التي تحققت منذ السبعينيات، وكل «الدلال» الذي تمتع به بعد 2003، فقد كان الإقليم شبه مستقل، يدار من أبنائه، له رئيس وبرلمان وحكومة وعلم ولغة وجيش وشرطة ومراكز حدود مع دول الجوار، وقيود على دخول العراقيين، بل وجوب الحصول على تأشيرات من مكاتب الإقليم في بغداد، بينما الكردي عراقي في كل بقاع العراق، وتملقت كل الطوائف والأحزاب والمذاهب والديانات الأكراد، تطلب رضاهم، وتتمنى دعمهم في البرلمان وغيره من مراكز صناعة القرار، وبلغت قمة «تدليل» الأكراد منحهم منصب رئيس الجمهورية العراقية، فأصبح لديهم رئيسان بعد إقرار الدستور، رئيس للإقليم ورئيس للدولة، رغم أنهم الفئة الوحيدة التي استطاعت أن تشكل كياناً عرقياً شبه منفصل.

ضاع كل شيء من الأكراد، والأهم أنهم خسروا التعاطف من جميع مكونات الشعب العراقي لنزعتهم الانفصالية وعدم التزامهم بتعهداتهم وتحالفاتهم، وسحبت منهم نقاط الحدود، ونزعت الصلاحيات، واستعيدت الثروات، وبات كل همهم اليوم الحفاظ على ما تبقى وهو قليل مقارنة بما كان، وهذه ضريبة الاندفاع خلف زعيم لا يملك مقومات الزعامة، فتعجل إقامة دولة على أرض لا تحقق شروط الاستقلال والاستقرار، ولم تنفع الأكراد لغتهم، ولم يحمهم زيهم الوطني، ولم تخدمهم توجهاتهم العرقية، فرحل مسعود برزاني بعد أن اتهم الآخرين بالخيانة عندما سلموا كركوك، وكأنه كان يريدها حرباً ودماراً لوطنه وشعبه.

وغداً سيرحل زعماء كتالونيا بعد أن يكتشفوا أنهم ليسوا بزعماء.

Email