أوهام الزعامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك قادة يأخذون بلادهم نحو المستقبل، وهناك قادة يعودون ببلادهم إلى الماضي، الأول يجلب الخير والفخر لشعبه، والآخر يدمر إنسانية شعبه، والأمثلة كثيرة، في حياتنا شاهدنا هؤلاء وأولئك، وعايشنا التجارب عن قرب، أو عن بعد، وتحسرنا على الذين ابتلوا بمن ظنوا أنهم فوق أوطانهم وشعوبهم، فداسوا الجميع، وعندما رحلوا كان الدمار هو جائزة الذين وثقوا بهم، وظنوا ذات يوم أنهم زعماء أو قادة يحبونهم ويعملون من أجلهم.

المثل الحي الذي نراه أمامنا اليوم هو قادة إقليم كتالونيا الإسباني، ولن أقول إقليم كردستان العراقي رغم التشابه، فالذين كانوا يديرون الإقليم الإسباني حتى قبل أشهر قليلة ما كان يعرفهم غير سكان برشلونة، فهم لا قيمة لهم خارج ذلك الإقليم وعاصمته، ومن انتخبوهم أرادوا أن يجددوا دماء إدارتهم المحلية، سواء كان رئيس الوزراء الإقليمي أو النواب في المجلس المحلي، ولكنهم اغتروا بالأصوات التي حصلوا عليها، وراودتهم أحلام كانت في مخيلاتهم، فإذا بهم يقفزون إلى الأعلى دون أن تكون لديهم وسائل حماية تساعدهم على الهبوط، وجرّوا بلادهم إلى فوضى عارمة، بدأت بالدعوة إلى الانفصال بالإقليم عن الدولة، بحجة أنهم الأغنى والأكثر شعبية، بينما الحقيقة تقول غير ذلك، فاللاعب «ميسي» أشهر من رئيس الوزراء ورئيس البرلمان وكل نوابه، ثم طرحوا الدعوة للاستفتاء على الانفصال، فهم كما قالوا «عرق مميز» وليسوا من الإسبان، ولديهم لهجة أو لغة خاصة بهم، وتحدّوا أبناء الإقليم الرافضين للاستفتاء وفكرة الانفصال، ولم يستجيبوا لكل نداءات الحكومة المركزية، وتم الاستفتاء الذي لم يشارك فيه قرابة 60 في المئة من المواطنين، ثم دخلوا في مرحلة المساومات عبر الخطابات النارية، واعتقد رئيس وزراء الإقليم أنه أصبح رمزاً وطنياً، وأعجبته «كاميرات» التصوير، وتبعه النواب المؤيدون، وأعلن البرلمان تصديقه على الانفصال مساء الجمعة.

كتالونيا ضحية غرور وأوهام الزعامة، وفي هذه اللحظة التي تقرؤون فيها هذا الكلام تكون كتالونيا ذاهبة إلى المجهول، فقط لأن شخصاً واحداً ظن أنه وُلد ليكون قائداً، فلم يجد غير إقليم ضمن دولة مستقرة ليفرض عليه مهمة تحقيق ظنونه وهواجسه وأحلامه.

Email