"الأقصـى" لا يناديكــم

ت + ت - الحجم الطبيعي

هو بيت الله، وأي بيت، المبارك الذي تباركت الأرض من حوله.

هو مسرى سيد الخلق، المصطفى، صلوات الله وسلامه عليه، ومعراجه إلى السماء.

هو لا ينادي أحداً، فالذين يحبونه يحيطون به، ويدافعون عنه، وقد تشبثوا بالأرض، وقدموا الضحايا تلو الضحايا، وجففوا دمعهم على أحبتهم منذ أزمان بعيدة، ولم تمنعهم القوة الغاشمة عن الصلاة، من خلف الأبواب المغلقة كبروا وركعوا وسجدوا، فوق الحجارة والأسفلت تنكوي جباههم، ويعتصر الحزن قلوبهم، ويبكون شوقاً، ولا يهابون حراباً مرفوعة في وجوههم.

هو يعلم أن الكل منشغل عنه، كلّ له همومه، وله مبرراته، وأهل القدس كذلك، إنهم لا ينتظرون أحداً، فهم يرون الجيران منشغلين في حروبهم، ومن هم خلف الجيران، حتى الرئيس، صاحب السلطة، يشغله برنامج مسبق، فذهب إلى الصين، لم يجمع رجاله وقادته وكل مجالسه الثورية والتنفيذية والإدارية، ربما اطمأن بعد أن شاهد الشيخ عكرمة صبري، يدخل الحرم القدسي من الباب، وربما هو واثق من أهل المدينة المباركة بصلابتهم وتضحياتهم، وربما ما سينجز في أقصى الشرق أهم من وضع القيود حول أولى القبلتين!!

هو لا يستجدي أحداً، الحرم القدسي الشريف أكبر من الاستجداء، وأقوى من الإهانة والاستقواء، كان شامخاً على مر العصور، صامداً في وجه كل الغزاة، وطاهراً من رجسهم، فزالوا جميعاً، وبقي ذلك الصرح الرباني شامخاً، وسيبقى إلى آخر الدهر، منه يشعّ النور، ويتردد صدى "الله أكبر".

هو لا يخاف بطش نتانياهو، ولا يهاب الحق، إنه محروس، تنظره عين لا تنام، وتحميه أدعية ليس بينها وبين ربها وسطاء.

"الأقصى" لا يناديكم، ولكن الضمائر الحية لا تنتظر النداء، فهذه يحركها الواجب، وتستدعيها الأحداث، وهي مكلفة، غير معفية، وغير مقبولة أي حجة لها.

هو بيت الله، أولى القبلتين، وثالث الحرمين، المسجد المبارك الذي بارك الله الأرض من حوله، ما يحدث له هو الذي يستنهض الهمم، ويستثير النخوات، فلماذا لا تُرفع الأيادي؟ ولماذا لا يصل الصوت إلى أقصى الأراضي؟

لماذا لا نناديه نحن مرددين «لبيك يا أقصى»؟!

Email