السلام والوسيط النزيه

كلنا متحمسون لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تعاطفاً مع الأطفال والنساء والعجزة، وحفاظاً على من يقتلون عند نقاط توزيع المساعدات يومياً، فقد اكتفى أبناء ذلك القطاع من المساومة على حياتهم.

نتانياهو ذاهب إلى واشنطن وهو «منفوخ»، شكلاً ومضموناً، ابتداءً من الأوداج وحتى نفسه التي تأمره بمزيد من الغطرسة والغرور والضرب بكل القيم والمعايير عرض الحائط، فهو يرى نفسه بطلاً، منتصراً في حربه ضد «العصابات المسلحة الإخوانية» في غزة، ومصفياً لسكانها ومدمراً لمبانيها، ومعه أوراق اعتماد يريد من الرئاسة الأمريكية توقيعها، فهو من أكمل تدمير القوة الإيرانية وأتباعها في لبنان واليمن.

ودونالد ترامب، يريد إنجازاً، ولكنه لا يريد إغضاب ذراعه الضاربة في المنطقة، تزعجه مشاهد الموت اليومي، ولكنه لا يعبّر عن مشاعره إلا في إشارات مبهمة، ويعيد ويكرر التهديدات، حتى وهو يتحدث بلسان الوسيط النزيه الخائف على أولئك الذين تُهدر دماؤهم، ينقلب في لحظة من شخصية «ساعية في الخير» إلى شريك يحمل الإثم مع نتانياهو!

وحماس التي لم يبقَ منها غير «فتات» من الأشخاص، ما زالت قيادتها الهاربة تشترط، وهي التي لم يبقَ لها من القيادة العسكرية أحد، وليس بيدها غير المختطفين من المدنيين، الأحياء منهم والأموات، نصر السابع من أكتوبر، اليوم الذي جلبت فيه هذه المجموعة الموت والدمار إلى مليوني فلسطيني استخدموهم دروعاً في وجه جيش يحتكم إلى عنصريته وليس إنسانيته، وما زالت هذه الجماعة المسيرة من أطراف متعددة، والخاضعة لبريق الدولارات، التي لم تكتفِ بما أريق من دماء، تراوغ من داخل المخابئ البعيدة، وتماطل، وهي العاجزة!

سنكون، في هذه المنطقة المبتلاة، وفي العالم كله، أكثر تفاؤلاً بخطوة الرئيس الأمريكي لتحقيق منجز واحد يفتتح به منجزاته الموعودة، والتي لم يكتب لها أن ترى النور حتى الآن، أقول لكم، سنكون إذا تراجع ترامب خطوة إلى الوراء، وترك مساحة متساوية بينه وبين أطراف الموت ورغبته في السلام، لحظتها سنعرف بأنه وسيط نزيه وعادل.