«فيه حاجة حلوة»!

ت + ت - الحجم الطبيعي

عشت في الإمارات عمراً، عرفت فيه روعة تنظيم الأحداث الكبرى في شتى المجالات، لا سيما الرياضية، عندما تكون ممزوجة بعناصر الإبهار التي يحبها أبناء الإمارات، وجعلوها دستوراً وأسلوب حياة، وهذا ليس بغريب على بلاد حولت الصحراء إلى جنة فيحاء، وأقامت عليها صروحاً وحضارة جديدة، يتغنى بها كل من يشاهدها، فما بالك بمن يعايشها.

كنت دائماً في المقابل أنتقد أهل مصر، وأشعر بالغضب في تنظيمهم للأحداث، لأنهم باختصار كانوا يعتمدون على تاريخهم واسمهم وحضارتهم القديمة، ويباهون بها على حساب حاضرهم، وعاشوا زمناً طويلاً مستغرقين في أمجاد الماضي ومنغلقين، تتقدم الأمم من حولهم وهم في غفلة يتراجعون!

كان الفارق يبدو كبيراً بين أن تباهي بتاريخك وأنت لا تستغله، وأن تباهي بما تملك وأنت لا تستخدمه!

دارت كل هذه المعاني في رأسي وأنا أتابع قرعة كأس أمم أفريقيا ليلة أمس الأول، على سفح الأهرامات، وأمام تمثال أبو الهول الشامخ، في مشهد أسطوري، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وفي تنظيم مثالي دقيق، وفي أجواء احتفالية أشبه بأسطورة ألف ليلة وليلة!

في تلك اللحظة، أدركت أن المصريين تغيروا، أنهم أخيراً فهموا الرسالة، فالدنيا لا تقاس بأمجاد الماضي، قدر ما تقاس بأفعال الحاضر، وأن الآثار العظيمة، مثلاً، التي تؤكد الريادة من آلاف السنين، تظل كتلاً صماء، إذا لم أطوعها للحاضر، وأستشهد بها، من أجل إقناع مليار مشاهد للحدث، أنني أستطيع!

نعم، هكذا تكون مصر «ماضٍ وحاضر»، فها هي تنقذ هذه النسخة الأفريقية، وتتصدى لتنظيمها في 21 يونيو المقبل، رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة، في فترة زمنية لا تتجاوز الخمسة أشهر، بعد أن تقرر زيادة عدد الدول المشاركة إلى 24 فريقاً، ولم يكن يقدر على هذا التحدي إلا هي، وهذا يتسق مع التاريخ والمكانة، فمصر هي التي أوجدت الاتحاد الأفريقي من العدم، في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وحاربت، ومعها السودان وإثيوبيا، في مقر الاتحاد الدولي، الذي كان يرفض بعض أعضائه، من منطلق أن أفريقيا لا تستطيع أن تتحمل مسؤولية وجود اتحاد قاري ينظم البطولات، فيكفيهم أن يشاركوا ممارسة اللعبة مع الآخرين!!

آخر الكلام

«فيه حاجة حلوة»، شعور صادق، فمصر أصبحت تستخدم ما حباها الله، تمزجه بالعمل الجاد والدقة المتناهية والمسؤولية، وداعاً لزمن الفهلوة، والتغني بأمجاد الماضي!

Email