تلك الأيام

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمضى الأيام بحلوها ومرها.. تغير دون أن تتغير .. تحول المستقبل المنتظر إلى حاضر نعيشه، ومن بعد إلى ماضٍ يبتلعه التاريخ في جوفه ولا يعود أبداً .. وكما انتظرنا المونديال عبر أربع سنوات مضت .. واستمتعنا به طيلة (30) يوماً مرت .. جاء الوقت ليسدل عليه الستار ويصبح مجرد ذكرى ترويها الأجيال إلى حين.

وفي النهاية .. وبعد مباراة اللقب الكبير بين (فرنسا وكرواتيا) أقول إنه ما من منتخب شارك في المونديال إلا وربح .. وما من فريق جاء إلى روسيا إلا وعاد إلى وطنه بطلاً حتى لو كان بلا كأس .. ولا أرى في المونديال خاسراً أبداً .. لأن الهزيمة في المباريات لا تقلل من قيمة المشاركة والجلوس على مائدة الكبار.. وكل المنتخبات التي تأهلت للنهائيات وخاضت غمار المنافسات نالت شرفاً كروياً لبلادها على اختلاف ألوانها وألسنتها، وهي بحق أفضل مما سواها وباتت من أهل الصفوة .. وكفى بذلك فخراً.

ومع اليوم الأخير أسجل آخر ملاحظاتي وأقول إنني عندما ألقيت بقلمي في رائعة «البيان» أكدت من اليوم الأول أنني لست ممن يهتمون بالترشيحات التي تسبق أي بطولة وأظل دائماً بعيداً عن الحسابات النظرية حتى أرى بعيني الفرق المتنافسة من خلال مباريات قوية كي أستطيع الحكم عليها .. لكنني ظننت من خلال قراءة أوراق المونديال إن موازين القوى ربما لن تختل كما كانت في البطولات التي جرت في الربع الأخير من القرن الماضي، وحتى البطولة التي جرت في البرازيل عام (2014) ..

وأن النسخة الروسية ستسير على النهج نفسه اعتقاداً مني أن أسرار كأس العالم ستظل في يد الكبار .. لكن ما حدث كان العكس تماماً .. واختلت موازين الكبار .. وظهرت قوى جديدة .. وتوارت قوى أخرى .. وأصبح أول مونديال يقام على أرض بلد نصفه آسيوي، والنصف الآخر أوروبي عامر بأشياء كثيرة مثيرة وغريبة .. منها سقوط منتخبات النجوم الذين أمتعونا في البطولات المحلية الأوروبية ( أرجنتين ميسي.. رونالدو البرتغال .. أنيستا إسبانيا.. ونيمارالبرازيل، وخاميس كولومبيا، وصلاح مصر) ..

كما أنه المونديال الخامس الذي يشهد خروج حامل اللقب «ألمانيا» من الدور الأول، ووصيفه «الأرجنتين» من دور ال16.. وهو المونديال الأول، أيضاً، الذي عجزت فيه القوى العظمى (باستثناء فرنسا وإنجلترا) عن ترك بصمتها .. وكان الجديد الإنجاز والإعجاز على يد منتخبات كنا نظن أنها تكتفي بدور البهار الأبيض لتحسين مذاق المونديال، وليس أكثر، دون أن تشكل خطراً على أصحاب الصفوة، فإذا بها تقدم أشهى وأطعم الوجبات الكروية الطازجة .. كرواتيا التي قهرت الإرهاق .. وبلجيكا (ثالث المونديال في النهائي الصغير).

وأعتقد أنه ما من أحد كان يستطيع التكهن بنتيجة النهائي بين (فرنسا وكرواتيا)، ومن سيفوز ويستخلص اللقب لنفسه .. لأن الجميع كان يرى أن فرص الفريقين تتساوى بمقدار النصف في كل شيء تقريباً وفقاً لمشوارهما منذ البداية .. فالتكتيك على أعلى مستوى.. والخبرة واللياقة متوفرة للاعبي كل فريق .. وإذا كانت فرنسا قد تكفلت بإخراج الأرجنتين ثم أوروغواى ومن بعدها بلجيكا .. فإن كرواتيا تولت إخراج الدنمارك ثم روسيا البلد المضيف ثم إنجلترا .. وأتصور أن المواجهة كانت بمثابة النهائي الحلم لأن المنتخبين من كبرى المدارس الحديثة التي تهتم بالقوى الهجومية والجوانب الدفاعية والبدنية!

والآن.. و قبل أن أجمع أوراقي التي ربطت بيني وبين القراء الأعزاء وعشاق الساحرة المستديرة .. أسجل سعادتي بوجودي مع أسرة المونديال، وبالكتابة عن الكرة عبر «صفحات البيان» خلال شهر كروي ممتع.. وفي الختام لن أقول وداعاً، ولكن أقول إلى لقاء.

Email