فرنسا ديشامب

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يوجد فريق معصوم من الانكسار أو دائم الانتصار.. فالفوز والخسارة وجهان لكرة القدم.. وهناك يوم حلو وآخر مر.. وما حدث لبلجيكا أمام فرنسا في نصف نهائي المونديال، لم يكن إلا حلقة جديدة من حلقات الساحرة المستديرة، التي تبكي وتضحك في ملعب واحد.. تحبط وتبهج في مدرج واحد.. تحزن وتسعد مقعدين متجاورين، أحدهما عاشق للديوك الفرنسية، والآخر مغرم بفن الشياطين الحمر البلجيكية.. وهى على هذا الحال بعد كل مباراة في أدوار خروج المغلوب.. لا ترضي الجميع أبداً!

وأتصور أن هذا المعنى تجسد في هذا اللقاء الثقيل جداً، الذي ظنت الجماهير أنه سيكون شداً وجذباً.. كراً وفراً.. تتأرجح نتيجته.. وربما لا ينتهى إلا بركلات الترجيح.. لكن ما دار هذه المرة كان مختلفاً.. فالمنتخب الفرنسي عندما فاز بهدف وحيد وتأهل للنهائي الثالث في تاريخه، أثبت أنه يستحق أن نتوقف أمامه، وندرس كيف خسر هذا الفريق نهائي أمم أوروبا على ملعبه قبل عامين، على يد البرتغال.. وكيف نهض وانتصر.. وتصدر وارتقى، إلى أن تأهل واحتفل..

وأرى أن الجيل الذي كرر تفوقه للمرة الثالثة ببلوغ النهائي، لم يكن عادياً.. ولا بد أن يكون مختلفاً في كل شيء، وما يقدمه لا بد أن يكون نوعاً جديداً من أنواع كرة القدم الجميلة والممتعة، ومن قبل كل ذلك، الملتزمة بالتكتيكات والخطط وأساليب اللعب الحديث، القائم على الجماعية الممزوجة بالمهارات والمواهب في كل مكان في الملعب.. وجعلت منه فريقاً ذا طابع مميز، يعجز عن مواجهته أشد الفرق التزاماً وجماعية، ألا وهو الفريق البلجيكي.

واسمحوا لي أن أتغزل في المباراة الأولى للدور قبل النهائي، لأنى كتبت تلك السطور قبل إقامة المباراة الثانية بين (إنجلترا وكرواتيا)، وأرى أن المنتخب الفرنسي استطاع أن يلعب بوجه آخر أمام البلجيك، عكس الوجه الذي ظهر به في جميع المباريات السابقة، وإذا كان تحرره الهجومي كلفه ثلاثة أهداف في لقاء الأرجنتين، مقابل رباعية سجلها باقتدار، فإنه في هذه المباراة، شدد من حرصه الدفاعي، واحتفظ بنظافة شباكه.. وما بين السرعة والبطء، كانت الغلبة والسيطرة له، ربما لأن المدرب الداهية (ديديه ديشامب)، أدرك أن المنافس يدافع ويهاجم بقطاع واحد، وبسرعة متوسطة لاستغلال المساحات.. فتعمد التحضير بسرعات مختلفة، وحوّل الملعب إلى ساحة للكر والفر، ليس لإرهاق البلجيك والضغط عليهم وحسب.. ولكن لإجبارهم على طريقة لعب لم يعتادوا عليها، وبالتالي إزعاجهم خططياً، وإضعاف ما يميزهم، فظهروا بدون استراتيجية واضحة، باستثناء تحركات هازارد.. وهكذا نجح الفرنسيون في استهلاك جهد وطاقة البلجيك.. ولو قارنا بين أداء فرنسا في قبل النهائي، وأدائها في المباريات السابقة، سنجد أنها لعبت بأسلوب آخر، على اعتبار أن المنافس يملك من السرعة والمهارة معاً، ما يمكنه من السيطرة على وسط الميدان، وإمكانية التسجيل، ولذا، تعمد الفريق تخفيض سرعته إلى حد البطء في بعض الفترات، وقصر السرعة على الثلث الأخير من الملعب، خاصة بعد تقدمه بهدف أومتيتي، وكل ما فعله، كان احتواء الخصم واستمالته للأداء البطيء، لضمان غلق المساحات وتفادي خطورته، لدرجة أن البلجيك ظهروا وكأنهم مقيدين بالأغلال، وكلما هموا بزيادة السرعة، وجدوا صعوبة في اختراق الدفاع الفرنسي، القائم على الكثرة العددية، وتضييق المساحات، والضغط من منتصف الملعب والجانبين.

وأتصور أن وصول المنتخب الفرنسي إلى المباراة النهائية، جاء نتيجة طبيعية للتكتيك المتطور، وامتلاك عناصر صالحة للاستهلاك الكروي، وإذا كانت الأجيال السابقة تضم نجوماً من الوزن الثقيل، مثل (زين الدين زيدان وفييرا وتورام وبلانك وليزارازو)، فإن الجيل الحالي يضم نجوماً لا تقل عنهم في القوة والمهارة، بقيادة (بول بوغبا وغريزمان وعثمان ديمبلي).. ومن يدري، فقد يكون الختام لهم بكأس ثانية.

Email