كش ملك

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذات فصل صيف، حين أينعت أوراقك يا صديقي وحان وقت الفراق، جحافل من أناس على بابك تطالب بالمزيد وأنت لم تعد تقوى على الحراك، وكأن فصل الكهولة غطى على صيف موسكو الغادر، لا تحزن سنغادر معاً فلم يبقَ لزماننا مكان، شريط الذكريات يدغدغ أحلامي.. كل الأحداث تمر من أمامي الآن، الآن فقط أيقنت أننا في خط التماس

في ركن منزوٍ يصفونه بالتاريخ.. آه من هناك ؟.. إنه أعجوبة الزمان مارادونا، الجوهرة بيلي، كرويف وآخرون.. الكل يهتف: من هنا من هنا.. إنه نادي الأساطير يا صديقي.

مشهد الخروج الأخير، اندحار البرغوث أمام منتخب فرنسي طموح متعطش لأحلام زيدانية بقيادة الفتى الواعد كيليان مبابي، وبعد وقت قصير، سيناريو بمصير واحد، الدون يودع المونديال بدوره، ورغم البداية الموفقة جداً بتسجيله لأربعة أهداف، فقد بدا قليل الحيلة أمام صلابة دفاع الأوروغواي المتراص وتفنن القاتل المحترف كافاني في إغراق المركب الأحمر بشتى الوسائل، كأس العالم حملت منذ انطلاقتها، العديد من الأحداث الغير متوقعة، ورغم أن كلاً من الأرجنتين والبرتغال لم تكونا في لائحة الترشيحات، إلا أن تواجد أسطورتين بين صفوفهما كان وحده قادراً على إتلاف خطة أي خصم، لكن وفي نهاية المطاف، لم يحصل شيء، خفتت الأضواء بعد صافرة الإقصاء، كش ملك، لا مكان اليوم لفرق اللاعب الواحد حتى لو تعلق الأمر بميسي ورونالدو.

حين يغادر من تربعا على عرش المستديرة لأكثر من عقد من الزمان في يوم واحد، فالرسالة وصلت، اليوم سترحلان وستودعان المحفل مرة أخرى دون نتيجة، وستؤول الكأس لعريس آخر كما في كل مرة، سيعلن عالم الكرة الحداد لوقت قصير وستعود الأمور لحالتها الطبيعية؛ لأن ذاكرة المشجع قصيرة، ولأن الكرة أصبحت في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لأنفاس جديدة، لأسماء جديدة غيركما.. إنجازات فردية وجماعية، وفي ميزان الذهب، خمس كرات ذهبية على كل جانب في أهم إعجاز كروي في العصر الحديث.

على مر التاريخ، عرف عالم المستديرة أساطير وأبطالاً، جواهر تأتي وأخرى ترحل، فراقكما صعب، نعم سنغالب دموع القهر والفراق لكن سنستطيع، فقد فارق القلب قبلكما مارادونا، بيليه، كرويف، زيدان وآخرون.

واليوم أو في الغد القريب، سنسير من دونكما، سنعرف غيركما، ترحلون وتبقى الكرة لأنها الأصل، حبها المتجذر فينا ينسينا، ولأن الكرة ولادة، ستجود علينا ذات فصل ربيع، بصانع أمجاد جديد، ربما تأخر لكنه آت لا محالة، من الأرجنتين أو من البرازيل، من أوروبا أو ربما من بلاد العرب.

ستظلان في القلوب رغم الغصة، فشكراً لعشر سنوات من المتعة والتحدي، شكراً لكل ساعة فرحة وهبتماها لكل محب للعب الجميل.. لقد أتعبتما من سيأتي بعدكما.

إنها دورة الحياة يا صديقي، لا أصدق ما حصل، هل سمعت ما يقولون؟ هل انتهينا؟.. نعم يا صديقي.

Email