لقطات

إبرة التخدير

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد تقدّم الكابتن مهدي علي باستقالته، ولكنها جاءت متأخرة للغاية. ليس بمقاييس التصفيات الآسيوية المؤهلة لمونديال 2018، ولكن حتى بمقاييس وعينا كمشجعين. ولهذا، أبهجني تحديداً تصريح يحيي عبد الكريم رئيس مجلس الإدارة السابق في نادي الشارقة، بندمه على مطالبه السابقة بالتغيير في اتحاد كرة القدم.

ببساطة، لقد أدرك بعض المنظّرين والمحللين، أننا قد كبرنا على فلسفة «شلْ مدرب، حط مدرب»، وبتنا نعلم بأن من سيخلف المهندس على رأس الإدارة الفنية للمنتخب، لا يمكن أن يحمل العصا السحرية في يده، وإن كان أفضل مدربي العالم. لقد انتبهوا إذاً إلى أننا بحاجة إلى «مورفين» أقوى، لا سيما أن خيبة الأمل المسيطرة على الشارع الرياضي الإماراتي، تكاد تكون ملموسة لكثافتها. وها هم قد حضّروا إبرتهم المخدرة، وخرجوا علينا بإسطوانة «تغيير العقلية قبل كأس آسيا 2019». ولا تخطئوا فهمي، فكلنا نتمنى ذلك. ولكن ما يريبني هو أن يكون «تغيير العقلية»، كلمة حق يُراد بها باطل. أي أن تكون مجرد شعار برّاق للمرحلة المقبلة، فيتم ترديدها، والإصرار عليها، بل وجعلها تبدو أبسط مما هي عليه، بينما هي راية صعبة المنال، لا يمكن بلوغها خلال عامين، فيكتفي بالانضواء تحتها كل من يتظاهر بأن النقلة لن تشمله.

يوصينا البعض باستبدال العقلية، ويوهمنا بذكاء، بأن التحوّل إنما يستقر في مقر الاتحاد، وفي أعلى الهرم، حيث تغاضى البعض عن محاسبة المقصّرين، وتقييم العطاءات. وهذا صحيح، وربما هو ما آمن به السيد عبد الكريم، حين نادى يوماً بالتغيير. ويجعلنا البعض الآخر نعتقد إلى حد كبير، بأن الأمر إنما متعلق بغرفة تبديل الملابس، حيث على المدرب الجديد للأبيض، تجديد خططه في اللعب، وإعادة النظر في تشكيلته. وهذا صحيح أيضاً، ولا يساورنا الشك فيه.

ولكن كم من المطالبين بتطوير العقلية سيعترف، مثلاً، بأن المطالب تمتد إليه في ناديه، حيث يتبوأ هذا المنصب أو ذاك، مطبقاً الباب، بالمعنيين المجازي والحرفي، أمام أي فرصة لاحتراف نجومنا الخارجي، وفارضاً عليهم التشبع والاكتفاء؟. وكم من المنادين بالتغيير الشامل، سيقرّ بأنه كمشجع، جزء من الخطة، إذ تقاعس عن مؤازرة المنتخب، بمجرد تراجع النتائج، أو تقلّص أهمية الاستحقاقات الدولية؟.

ولا يضحكني شخصياً سوى من يحاول إقناعنا بأن أبناء «الجيل الذهبي»، سيتقبّلون بكل رحابة صدر، تنحيتهم عن القميص الأبيض، بعد أن كانوا يضمنون المشاركة، بغض النظر عن مردودهم. يا لسلاسة النقلة التي تتحقق بين ليلة وضحاها، بمجرد تبدّل الوجوه والأسماء، فيما هو مشروع شامل ينفق عليه الآخرون سنوات من عمرهم الكروي!

سبقني السيد عبد الكريم إلى فهم الدرس، والعقبى لمن لم يدرك بعد، أن موضة «تغيير العقلية»، قد تكون مجرد النسخة المحدّثة المُحسنة من «شلْ مدرب، حط مدرب».

Email