سقف الرواتب

ت + ت - الحجم الطبيعي

«ضعوا سقفا لرواتب اللاعبين المحترفين، ما هذا الجنون! أين ستتوقف هذه المبالغات؟»، يصرخ المشاهد مخاطباً تلفازه الذي يبث أحد برامج التحليل الرياضي. بعد أن قضى 7 ساعات في أداء وظيفته المكتبية، وفي الحلم باقتناء سيارته الرياضية الفارهة، الموضوع ربما بات يتخذ بُعداً شخصياً بالنسبة إليه.

يبدو أنه فقط حين يتعلق الأمر باللاعبين، فإننا نتنكر لمبدأ «لكل مجتهد نصيب»، ونتظاهر بأن الموهبة والقدرات والذكاء الكروي، تتوافر جاهزة في علب سريعة التحضير. والعذر النبيل الذي نعلنه لاتخاذ هذا الموقف، هو بالطبع الرغبة في حماية أنديتنا الإماراتية من الإفلاس.

وبينما لا أوافق بالضرورة على وضع سقف للرواتب، سواء على صعيد دوري الخليج العربي أو الدوريات العالمية، فإني قد وجدت له عذراً مقنعاً، حتى إنه سيساعد البعض، وأستميحكم عذراً على صراحتي الجارحة، في التستر على غيرته الواضحة من ثروات اللاعبين.

فبينما تسمّرت الأعين على الراتب السنوي البالغ 35 مليون يورو، الذي عرضه أحد الأندية الصينية على أندريس إنييستا، نجم برشلونة، لقد ذهبت عيني إلى تفصيل آخر في الخبر.

إن العقد المُقدّم إلى اللاعب الدولي الإسباني، سيتيح له أن يمتنع عن المشاركة في أي مواجهة يخوضها فريقه الصيني خارج ملعبه.

وهنا أقول، دعونا نبتعد عن التساؤل غير المجدي «أين ستتوقف هذه المبالغات؟»، وكأننا وحدنا من يحق لنا أن نحدد ما هي المبالغات، وأن نفتي في ما إذا كان أي لاعب، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، يستحق الدخل السنوي الذي يتلقاه.

ولكن لننتبه إلى أن خسائرنا الحقيقية ستكون أكثر بكثير من مجرد بضعة ملايين قابلة للتعويض.

إننا إذا لم نلتزم بسقف لرواتب اللاعبين، فإننا نخاطر في الحقيقة بأن نضع الكرة كلية في ملعب هذا الوحش المدعو المال، فنترك له إعادة تشكيل أعراف الرياضة، إن صح التعبير، وتكوين المقبول وغير المقبول، والمُستهجن والمُستحسن. إنه سيبتلع لعبتنا المفضلة، كما عرفناها، وسيترك لنا هيكلاً عظمياً مشوّهاً.

وها هو المال اليوم قد زوّدنا بمثال حي على قدرته على تدمير الرياضة، فقدّم إلى أحد ألمع نجوم العالم عقداً يعفيه من اللعب!، هكذا وبكل بساطة، سيستطيع المال بسطوته ونفوذه وقوانينه وإغراءاته، إبقاء إنييستا بعيداً عما يصل إلى نصف مشاركات فريقه في الموسم، أي أنه قادرٌ على أن يصنع لنا لاعباً لا يلعب كرة القدم، وأعني ذلك بالمعنى الحرفي.

وسيكون علينا تقبّل الأمر، لأن راتب النجم السنوي البالغ 35 مليون يورو، جعل منه طبيعياً ولائقاً.

والله أعلم ماذا قد يحمله المستقبل لنا، طالما أن رواتب اللاعبين غير قابلة للسيطرة، فقد يُبدع أحد الأثرياء الصينيين الجدد، ليضع في عقد ميسي أو رونالدو أو روني، بنداً يعفيه من تسجيل الأهداف، وحينها سنود لو أننا كنا قد فعلنا شيئاً «قبل 100 مليون يورو» من الآن.

 

Email