بروح رياضية

رحلة في الظلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدعة البرازيل بتنظيم المونديال في12 مدينة متباعدة بين الشمال والجنوب ببلد أشبه بالقارة جعل التنقل لحضور المباريات صعباً ويحتاج الى مغامرة.

ورحلتنا الأخيرة من ريو دي جانيرو الى مدينة بيلو هوريزينتي لحضور مباراة البرازيل كانت مليئة بالمخاوف والرعب.

رحلة الظلام انطلقت ليلا من ريو عبر الحافلة لقطع مسافة 400 كلم خلال 7 ساعات.

لقد سمعت الكثير من القصص والحكايات عن النقل البري بين المدن البرازيلية، كما تلقيت التحذيرات من أبناء البلد من خوض هذه المغامرة ولكن إثارة مباراة السامبا والماكينات دفعتني الى ترك المخاوف جانبا والإقدام على الرحلة وليحصل ما يحصل.

كانت رحلة رعب بحق، فالأجواء في محطة الحافلات كانت رائعة، جماهير كثيرة أغلبها برازيلية تنشد وتغني وتستعد لمواجهة ألمانيا، وفي الأثناء حضرت بعض القنوات التلفزية لتغطية تنقل الجماهير . عندما رأيت هذه المشاهد كذبت كل الأقاويل التي سمعتها.

لكن عندما انطلقت الحافلة وخرجت من مدينة ريو دي جانيرو بدأ الخوف والرعب ينتابني مثل بقية رفاقي في الحافلة ممن لم يتعودوا على خوض التجربة، فالطريق جبلية كلها منحدرات ومرتفعات، منحنيات خطيرة !!

والأغرب من هذا كله أن الحافلة تشق طريقها بسرعة قياسية في ظلام حالك، لا وجود للتنوير بالطريق أو قل المسلك الفلاحي لأنه ضيق جيدا ولا يتسع لمرور عربتين إلا بخروج إحداهما قليلا .

 

وعندما تهادت الحافلة بين الجبال تطوي الأرض طيا وتصعد الهضاب بخفة وتنحدر مسرعة فتشعر أن أجلك قريب تذكرت هول ما سمعته قبل الأقدام على المغامرة.

لقد توفي بهذه الطريق صحفية من الأرجنتين الأسبوع الماضي بسبب حادث مرور لأنها لا تعرف جيدا منحنيات المسلك المظلم، كما توفي من قبلها مشجعون في حادث سير أيضا كان في اتجاههما لحضور إحدى مباريات المونديال.

عاتبت نفسي في لحظات مراجعة النفس. ولكن هل ينفع الندم الآن؟

مرت الدقائق كأنها ساعات ومضت الساعات كأنها دهر حتى وصلت الحافلة الى بيلو هوريزنتي بسلام لأحمد الله .

استقبلتنا مدينة هوريزنتي بحفاوة فبمحطة الحافلات أحاط بنا المتطوعون ومدونا بالخرائط وزودونا بما نحتاجه من معلومات للوصول الى ملعب مباراة البرازيل وألمانيا، وبأهم المعالم الحضارية لمن يرغب في التنزه والسياحة. ولكن ضيوف المونديال لا يجدون وقتا في الغالب للتجول والاسترخاء.

وقد سحرتنا المدينة الصغيرة الهادئة بجمالها وبخضرتها حيث تنتشر بها الحدائق في كل مكان وتكتسي شوارعها بالأشجار.

على خلاف ريو دي جانيرو فوجئنا ببرودة الطقس، فدرجة الحرارة 12 مئوية فقط.

توجهنا مباشرة الى الملعب رغم من أن الساعة لا تزال العاشرة صباحا فقط، وبدأنا الاستعداد لموقعة نصف النهائي بين الماكينات والسامبا.

حماس الجماهير واحتفالها أوهم الضيوف بأن الفوز سيكون برازيلياً لكن أحداث المباراة في المساء كانت مخالفة تماما للشارع ولا تعكس توقعاته وأمنياته.

رحلة الظلام والرعب انتهت برعب في صفوف الجماهير البرازيلية حيث عاشوا كارثة ونكبة وطنية.

Email