منذ قرون عدة اخــتزلت الشعوب مفــاهيم كثــيرة في حــب الوطن، لغرس الانتماء وروح الولاء في نفوس أبنائها ولعل أبرزها فكرة النشيد الوطني الذي تم ابتـــكاره ليكون معنا في حلنا وترحالنا، ويلهمنا في سرائنا وضرائنا وكأنه تذكير وطني بأن الإنسان مهما صال وجال في أروقة العالم، فلن يجد أروع وأجمل من ترديد السلام الوطني، لأنه العنوان في الحياة ورمز التعارف بين البشر.
وهنا ليس مطلوباً منك أن تصبح فناناً تملك خامة صوتية ذهبية كي تردد كلمات النشيد الوطني، لتثبت فيها ولاءك وانتماءك للوطن.. بل العكس تماماً ولهذا نجد الجميع غير آبه بهذه القوانين الفنية، وتجده يضخ الدماء في العروق ويقول أنا هنا من أجلك.. من أجل الوطن.. فهذا الشعور طبقه شعب هولندا قبل الجميع، وهم يفتخرون حتى الساعة بأن بلادهم تمتلك أقدم نشيد وطني في العالم منذ منتصف القرن الخامس عشر.
وبلا شك تعتبر هذه اللحظات الأكثر قدسية بالنسبة للشعوب، فهذه الوقفة الزمنية تثير حماسة الجميع وفيها تمتزج معاني الحب والوفاء والإخلاص والانتماء للوطن.. إنها لحظات آسرة تتوحد فيها قلوب اللاعبين والجماهير والإداريين والمدربين..
وفي عالم كرة القدم نجد الكثير من القصص التي تروي لنا أسرار هذه اللحظات الآسرة، التي من الممكن أن تكون سبباً في خسارة منتخب لبطولة قارية وقد تكون نقطة مضيئة في حياة الفرد.
وهنا تستوقفني حالة الحارس الإيطالي المخضرم بوفون في نصف نهائي بطولة أوروبا 2012، حينما شوهد وهو يصرخ وعيناه مغلقتان أثناء عزف النشيد الوطني لبلاده، فحينما سألوه عن السبب قال إنها وسيلة سحرية تذكره بالعلاقة التي تربطه بأجداده الذين غرسوا حب إيطاليا في نفسه.. وفي تلك المباراة بالذات قالوا إن إيطاليا هزمت ألمانيا مرتين.. الأولى أثناء عزف السلام الوطني بعد أن أظهر بعض لاعبي ألمانيا عدم اهتمامهم بترديد النشيد.. عكس لاعبي إيطاليا.. ليخرج لنا تصريح غاضب من رئيس وزراء ولاية هيسن الألمانية فولكر بوفيير الذي قال إن مسألة أن يغني اللاعبون النشيد الوطني تبقى مسألة تربية!
وزاده تصريح ساخن من القيصر الألماني فرانز بيكنباور يقول: حينما توليت تدريب المنتــخب الألماني 1984، أجبرت كل اللاعبين على ترديد النشيد الوطني بصوت عال حتى ظفرنا بكأس العالم 1990!
وفي كأس العالم الأخيرة في جنوب إفريقيا شاهدنا جميعاً دموع لاعب منتخب كوريا الشمالية، وهي تتــساقط بغزارة لحظة سماعه نغمة بلاده لتكون هذه اللقطة حـــديث الجماهير في كل أنحاء العالم! وما يشعرني بالفخر والاعتزاز تطــبيق منتـــخب الإمارات لكل تلك المفاهيم بروح الاتحاد، ففي كل مباراة وبطولة نجد هذا التلاحم البشري بين مدرب منتخبنا مهدي علي والإداريين واللاعبين، يرددون كلمات الوطن بكل ذرة حب وانتماء «حصنتك باسم الله يا وطن».
الإصبع السادس
«نحبك يا عَـــلم» لأنك وحدت قلوبنا.. ووحدت شملنا.. وجعلتنا نرى «زايد» في كل واحد منا.