قبل عشرة قرون خرج عالم عبقري من بلاد الرافدين يسمى ابن وحشية النبطي الذي قرر أن يخترع طريقة مبتكرة لتشفير الكلمات والأحرف حتى تستعصي على الجميع، وتمنحه الأفضلية في مراسلاته الخاصة، ونجح في مسعاه بل وأصبح أشهر عالم في فك طلاسم الشيفرات في عصره، حتى غدا كتابه «شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام» منهجاً علمياً للباحثين عن خبايا التشفير!

وبالمناسبة هذا العلم يسمى عند العرب بعلم «التعمية» لضمان وصول المعلومة للشخص المطلوب بطريقة آمنة وسليمة! وما قادني للحديث حول هذا الموضوع ليس إبراز دور العرب في التطور العلمي في تلك الحقبة، رغم أنها حقيقة بلا شك، ولكن لحسن الحظ أن علم التعمية لن يتم تطبيقه في دورينا هذا الموسم ولن يتم إجبار الجماهير على قراءة كتاب ابن وحشية.

بل سيجد الشارع الرياضي نفسه ملزماً على قراءة كتاب (بدعة) التشفير الكروي الذي تم تأليفه على الطريقة المحلية! ويكفي أن نقول إنه كتاب بلا فهرس بمجرد تصفحه تجد نفسك أمام سطر يقول إن عليك أن تدفع لمشاهدة مباريات القمة تلفزيونياً.. أما في المباريات المتبقية فعليك مشاهدتها مجاناً والاستمتاع بنقودك وهي تتراقص في جيبك!

بعضهم يقول إن التجربة تستحق أن ترى النور ويجب علينا أن نرويها من صبرنا، ولكن كيف يتم ذلك ونحن لا نمتلك أهم الأوراق المطلوبة لنجاح التشفير! وواحدة من أهم هذه الأوراق (الجماهير) التي لا زالت تتعذب وتعاني داخل الملاعب بسبب قلة الاهتمام بها!

كيف يحق لنا أن نفكر في التشفير ونحن لم نصغ أساساً لمطالب صناع الفرح في ملاعبنا؟ الذين لا يريدون سوى بيئة صالحة للتشجيع والمؤازرة.. مثل توفير الطعام والشراب بصورة لائقة، بعيداً عن الباعة المتجولين كي نتفادى حالات التسمم، إن وجدت لدى المشجعين! والأمر لا يقف عند المأكل والمشرب بل هنالك أمور تسويقية أخرى لتحفيزهم إلى الحضور والمشاركة..

 وهنا أقترح على أندية القمة التي ستعانق سماء التشفير بداية من هذه الجولة وحتى انتهاء رخصة التشفير، أن تفكر على الأقل في طرق مبتكرة للجماهير، وذلك لتحفيزهم إلى الحضور بكثافة والمشاركة في إنجاح هذه التجربة، وعدم الاكتفاء بمبادرات لجنة المحترفين الخاصة بالمشجعين، بل العكس، على الأندية أن تخوض الميدان وتتحمل مسؤوليتها كاملة لتطوير الحلقة الأضعف في دورينا.

فإذا كانت غايتنا الحقيقية وراء التشفير هي تحسين معدلات الحضور الجماهيري، فيجب أن تكون هناك أكثر من وسيلة لنجاح التجربة، وإلا.. وجب علينا أن نعتذر للفيلسوف الإيطالي ميكافيللي ونقول إن غايتك لم تبرر وسيلتنا حتى الآن!

الإصبع السادس:

رحمك الله يا ابن وحشية فلو كنت بيننا الآن لتعذرت عليك شيفرات دورينا!