التطبيع الرياضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عدت من رام الله عاصمة الدولة الفلسطينية تلبية لدعوة من اللجنة الاوليمبية من اجل المشاركة فى ملتقى إعلامي لتخليد ذكرى النكبة الذي يوافق إعلان قيام دولة إسرائيل ، واقول تخليداً وليس احتفالاً، لأن المناسبة مشؤومة الحقت كوارث بالشعب الفلسطيني الذي يدفع الثمن ومعه الشعوب العربية التى خسرت الكثير من أراضيها بسبب المواجهات العسكرية المستمرة منذ عام 1948.

تلبية الدعوة كانت هاجساً مقلقاً على المستوى الشخصي على خلفية الضجة العاتية التي واجهت مفتي مصر عقب زيارته للقدس والمسجد الاقصى واتهامه بخيانة القضية الفلسطينية، لكن بعد تردد طويل عزمت وتوكلت وسافرت الى الاردن ومنها الى رام الله، وعشت المعاناة اليومية الصعبة التي تلازم خروج ودخول الفلسطينيين الى بلادهم، وتعدد حواجز التفتيش وتدقيق الاوراق، وتغيير السيارات من معبر الى معبر ، ولمست الدقائق الحرجة ومرارة الانتظار فى طوابير بطيئة وعصيبة ترقباً لدق خاتم العبور الى الوطن.

فرحة الاشقاء كانت بالغة فقد كان الزائرون 66 صحافياً رياضياً يمثلون 15 دولة عربية، وهو ما لم يحدث منذ عقود من الزمان، وانعكست في حفاوة على المستوى الرسمي تمثل فى زيارة رئيس الدولة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن للفندق ومصافحته لنا فرداً فرداً، وقد سألته الدعاء لمصر بالامن والاستقرار، فقال لي: ادرك مقاصدك وثقتي كبيرة فى قدرة مصر على اجتياز المنعطف الخطير.

ابو مازن طرح فى حديثه قضية بالغة الاهمية لم نكن ندركها، وهي الحاجة الشديدة لكسر العزلة التي يفرضها المحتل على الارض الفلسطينية الخاضعة للسلطة الفلسطينية الشرعية، وشدد في طرحه على أن ابناء الارض يجدون صعوبة فى التنقل والسفر، لذلك فان زيارة العرب لهم تصبح فرض واجب، لمساندة اخوانهم المحاصرين، وبدت المرارة على الرجل عندما تطرق الى مايتم ترويجه فى الدول العربية لحظر زيارة فلسطين تحت مبرر رفض التطبيع ، وقال: وجودكم فى رام الله ليس تطبيعاً مع العدو، بل تطبيع رياضي مع أشقائكم الفلسطينيين. لا نحتاج الى اكياس الطحين بل الى زياراتكم وتواجدكم عندنا لمساندة القضية الفلسطينية التى دخلت نفقاً مظلماً بلا بصيص من الامل فى حل عادل.

الزيارة كشفت لنا عن شوق الاشقاء وفرحتهم بنا، وقال لي سائق سيارة اجرة : توصيلتكم بالمجان بس تعالوا دائماً، وقال لي بائع :لا اصدق انكم بيننا انه حلم يراودنا منذ زمن، وفوجئت بصحافي من جريدة القدس يجري معي حواراً ويكتب على اللاب توب مباشرة كامل التصحيح والتدقيق ويرسله الى الجريدة في لحظات، ما يعكس التطور الواضح في مستوى الصحافيين، ورأيت طلبة كليات الاعلام حولنا يتلهفون لحضور جلسات النقاش وورش العمل في الملتقى الصحافي .

هل زيارتنا تطبيع مع العدو؟ وهل دخولنا المسجد الاقصى بكل جلاله ومكانته فى قلوب المسلمين، خيانة؟ أسئلة طرحتها الزيارة بعد ان تبين لي شخصياً ان الامتناع عن زيارة فلسطين بدعوى عدم التطبيع مع اسرائيل، كان أكذوبة صدقناها تحت شعارات رنانة مفضوحة من اصحاب المصالح فى عزل الوطن السليب.

Email