المتتبع اللبيب للبرامج التحليلية في قنواتنا الموقرة يدرك تماماً أن الرؤية الواضحة غائبة تماماً عن البعض، ممن لا يدري بماذا يهذي وماذا يقول ويعمل بطريقة الحراج (كم أقول)، وبطريقة المساومة، فالكل يساوم على الآخر والكل يزايد على الآخر، بعيداً عن منطق النقد القائم على المعرفة والمعلومة والخبرة بطرائق اللعب وفنون التكتيك والتكنيك وقراءة أحداث المباراة، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى لمقدمي البرامج التحليلية مهمة واضحة هي التفنن في إضافة البهارات لتكتمل الطبخة، أو إضافة الكثير من البنزين على النار و(ولعها يا جدع)، لتصبح الحلقة مثيرة دون إثارة بل دون مضمون يذكر، علماً بأن التحليل الرياضي مهنة وفن وعلم وقراءة واعية لأحداث المباراة ومعرفة كل ما يدور في الكواليس، ما يؤثر في النتيجة سلباً وإيجاباً.
ولك أن تتوقع محللاً رياضياً يُخطّئ المدرب دون أن يدري ملابسات وظروف وخلفية إشراك هذا أو إبعاد ذاك، والأكثر إثارة في برامجنا التحليلية هو الأعلى صوتاً، وليس الأكثر فهماً، والأكثر قدرة على إسكات الآخرين ولا يضر أن يتواجد بينهم من يجعلونه موضعاً للتهكم حتى تكتمل الطبخة تماماً، عفواً يا جماعة الخير الفارق كبير بين النقد ومجرد الانتقاد، فالنقد علم له أصوله وفنونه ومدارسه ومبدعوه ونجومه، أما الانتقاد فهو (فهلوة) على الهواء مباشرة وتصيد للأخطاء وقراءة الواقع بطريقة البورصة، فمن يربح كلنا معه ومن يخسر كلنا عليه، بطريقة البعض الذين يعتنقون نظرية (من لم يكن معي فهو ضدي).
ضربة جزاء
وجهٌ إعلاميٌ شهير يظهر في خمس برامج مختلفة ولله الحمد أن الدعوة لم توجه له وإلا شارك في برامج الطبخ وشاعر المليون، لأنه يظهر بطريقة (سبع صنايع)، دعونا ونحن نبحث عن التميز إلى أن نبحث عن التواجد في عقول المشاهدين وليس أسماعهم فقط، ودعونا نتواجد كإعلام مهمته تطوير الشارع الرياضي ورفع مستوى الثقافة الرياضية للرياضيين وللجماهير، وتقديم وجبات إعلامية دسمة لا تؤدي للتخمة بل تقوم بالدور الإعلامي المطلوب، وعلينا ألا ننسى أن الجماهير الرياضية متأثرة دائماً بما يقال، وتبني أغلب معارفها على ما يقال داخل حلقات الإبداع التحليلية، فرفقاً بهم يا جماعة الخير واعلموا أن النقد غير الانتقاد بل يسير هذا عكس ذاك.
صافرة النهاية
الزميل علي شدهان، الصحافي المتميز في جريدة «البيان» وفي ثلاث حلقات معنونة بــ(بصريح العبارة)، لخص الواقع الإعلامي الرياضي في دولة الإمارات، خصوصاً في ما يختص بالغياب الواضح للقلم الرياضي المواطن في حلقات ثرية فيها من الحقيقة المرة التي نعيشها ولا نحاول حتى مجرد زحزحة هذا الواقع، فلم نشهد أي تحرك بالاتجاه الصحيح من جمعية الصحافيين ولم نشهد أي همسة، مجرد همسة من لجنة الإعلام الرياضي، فما قدم في الحلقات الثلاث من تعاطٍ مع القضية بمهنية عالية وتجرد رائع وبإحصائيات نثرت نقاطها على حروف القضية، فثلاثة مواطنين يدفعهم العشق مقابل سبعة وسبعين قضية علينا أن نجعلها قضية رأي عام، بل قضية العام الرياضية.
فما قدم من تجليات وحقائق في (بصريح العبارة) لم تقدمه مؤتمرات سابقة، لهذا نقول أين هيئة الشباب والرياضة؟ وأين جمعية الصحافيين؟ وأين لجنة الإعلام الرياضي؟ ولماذا لم يتعاط إعلامنا المرئي والمسموع مع هذه القضية بعد أن لخص شدهان ما عجزت عنه كل الأصوات، ولعله وهو يعلن الحقيقة مجردة ويظهرها بهذه القسوة، قد تعرض للكثير من الحرج من زملاء المهنة، وأكاد أجزم أن هناك من وضعه في خانة الإرهاب.
حكمة اليوم: لا داعي للخوف من صوت الرصاص.. فالرصاصة التي تقتلك لن تسمع صوتها!!
