«الدكانة الاجتماعية» مبادرة خيرية لبنانية

الوضع الاقتصادي اللبناني خرج عن السيطرة: الليرة اللبنانية فقدت أكثر من 8 % من قيمتها، والدولة تتجه إلى رفع الدعم عن السلع الأساسية، وثلث السكان يعانون من البطالة.

وسط هذه المأساة التي تزداد يومياً في بلدٍ يمر بأسوأ أيامه، يجتمع أفراد ويضافرون جهودهم علّهم يبعثون بصيص أمل للمحتاجين؛ أمل في الحصول على أبسط حقوقهم كبشر، الطعام.

في طرابلس اللبنانية التي تعاني من الفقر والإهمال، ولدت «الدكانة الاجتماعية» مطلع سبتمبر الماضي لتكون مثلها مثل أي دكانة أخرى تبيع مواد أساسية لا رفاهية، بأسعار أقل من الأسعار الموجودة في السوق. «هي دكانة تربح بقدر ما هي بحاجة له»، كما يعرّف عنها مؤسسها زياد أيوبي.

حملات لجمع المال

فكرة ولِدت، كما يخبرنا، بعد تدهور مستوى المعيشة وانخفاض قدرة الناس الشرائية. ويتابع: «هذا جعل العديد من الناس يقومون بمبادرات. في لبنان، هناك دائماً مبادرات. وفي هذه الفترة، ازداد عددها حيث تسمعين يومياً عن حملات جمع تبرعات من قبل مغتربين يقومون بإنشاء مجموعات على «فيسبوك» في البلد الذي هم فيه وجمع الأموال وإرسالها إلى لبنان وتوزيعها».

لكن زياد الذي يعمل في المجال الإنساني وانتقل حديثاً من جنيف إلى موريتانيا كنائب ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في موريتانيا أراد مبادرة مستدامة «يمكن للناس المشاركة فيها بطريقة يومية».

وهكذا بعد العديد من الأبحاث، اكتشف نموذج «السوبر ماركت الاجتماعي» وعمِل هو ومجموعة من 25 شخصاً على إطلاق «الدكانة الاجتماعية» في طرابلس.

والبداية كانت مع اختيار الموقع الذي صبّ على وسط مدينة الميناء في طرابلس ليكون سهلاً لكل من يريد أن يقصده لتأتي بعدها، كما يخبرنا زاهر نيكرو، مدير المشروع، عملية إعادة تأهيل الدكان؛ من الصفر من دون أن ننسى العمل على التسويق والموقع الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.

تحديات كثيرة إلا أن نيكرو يشدد على أنهم تصدّوا لها جميعها بفضل «حماسة المتطوعين حيث كل شخص كان يعمل على موضوع؛ أشخاص كانوا يعملون على الموقع، آخرون كانوا ينشرون منشورات يومية عن تحديثات الدكانة على مواقع التواصل، وبعضهم كانوا يقدمون تدريبات على نظام نقاط البيع».

أسعار أقل وجودة مضمونة

التحضيرات كانت المهمة الأسهل مقارنة بعملية اختيار المزوّدين لأن القيمين على الدكانة أرادوا مواد بأسعار أرخص من السوق ولكن بجودة مضمونة. وحالما تدخل الدكانة، تجد أكثر من 50 صنفاً من المواد الأساسية مثل الحبوب والزيت والحليب ومواد التنظيف والحفاضات.. أي «يجد الجميع حاجاته المنزلية الأساسية لا الكماليات»، على حد قول نيكرو.

ولكن، كيف تمكّنوا من شراء هذه المنتجات لإطلاق المشروع؟ يخبرنا أيوبي أن التمويل الأساسي قام على تبرعات نحو 115 شخصاً ساهموا بـ13000 دولار كانت شرارة البداية.

زبائن مساهمون

لكن «الدكانة الاجتماعية» تعتمد على نموذج أعمال محدد يُقسّم الزبائن إلى ثلاثة أنواع، كما يشرح لنا نيكرو: أولاً، لدينا الزبون العادي الذي يدخل ويأخذ البضائع بأسعار مدروسة مثل أسعار السوق أو أقل. ثم الزبون المدعوم، أي من هو من أصحاب الدخل المحدود الذي يحصل على المواد بأسعار الكلفة. وأخيراً، لدينا الزبون المساهم وهو الذي نزيد له نسبة مئوية على التكلفة، والذي يريد المساهمة بالمشروع. ويتابع نيكرو: «كلما كان لدينا زبائن مساهمين أكثر، كلما قدمنا بطاقات دعم أكثر».

هذا النموذج حمل كثيرين إلى أن يتحوّلوا إلى زبائن مساهمين وكثيرون رحّبوا بالمشروع لأنه يحاكي حاجات الناس ويحمل فيه طابع هذا التضامن الاجتماعي، مهما كان مستوى معيشتك.

فروع في المناطق

«الدكانة الاجتماعية» تحمل هوية واضحة جداً ألا وهي أن تكون دكانة الحي، سواء من حيث الديكور أو من حيث موقعها، حيث يطمح أيوبي إلى أن يتوسّع وأن يفتح فروعاً في أكثر من منطقة.

فروع عدة في مناطق لبنانية مختلفة لتوفير المواد الأساسية وإنما أيضاً، إذا سمحت الفرصة، تخصيص رفّ للبضاعة المصنوعة في القرى مثل المونة؛ رفّ لا يستهدف زبائن المحل بشكل خاص، لا بل فئة أخرى من «الأشخاص الميسورين»، على حد قول أيوبي، من أجل تشجيع الصناعة الوطنية.

بانتظار التوسّع، تقدّم «الدكانة الاجتماعية» موادها لسكان طرابلس وتبقى نموذجاً ناجحاً للمبادرات الفردية بغياب الدولة. وهنا يقول أيوبي «لا غنى عن مسؤولية الدولة التي تضع برامج اجتماعية وسياسية مستدامة.. والآن بسبب التقصير، نحاول سد هذه الثغرة». ويرى أن الريادة الاقتصادية الاجتماعية القائمة على نظام ربحي حيث يُعاد تدويرها لصالح المجتمع واعدة جداً في بلدٍ مثل لبنان.

* باحثة اجتماعية

الأكثر مشاركة