«سيناريو» نحو بناء الثقة بالنفس من خلال الفنون

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقوم جمعية «سيناريو» اللبنانية المسرحية غير الربحية، بتدريس الفنون المسرحية والرقص والأغاني للمجتمعات المهمشة بهدف العمل على بناء ثقتهم بأنفسهم واعتدادهم بذاتهم من خلال الفنون الإبداعية. وساهم تطبيق دعم المعلمين الخاص بالجمعية في توفير تقنيات تعليمية مبتكرة لمئات الفصول الدراسية في مختلف أنحاء الأردن ولبنان.

تأسست جمعية «سيناريو» في عام 2015 على يد الثنائي البريطاني المغتربين فيكتوريا لابتن وأوسكار وود. ولا تزال ورش العمل المسرحية المكثفة، التي تعقدها الجمعية لمدة خمسة أيام في الأسبوع، مستمرة على الرغم من ظهور جائحة فيروس كورونا، حيث تم تنظيم أحدث مشروع للجمعية في دار الأيتام الإسلامية في بيروت في سبتمبر مع اتباع قواعد التباعد الاجتماعي.

يشارك في كل ورشة عمل ما يقرب من 30 صبياً وفتاة، أو بالغين، حيث يقومون من خلال تمارين مرتجلة بتبادل الأفكار بإبداع مسرحية موسيقية، وكتابة السيناريو وكلمات الأغنية وإتقان حركات الرقص. وتتضمن كل مسرحية خمس أغانٍ مبتكرة تم تركيبها بصورة احترافية على موسيقى تصويرية. ثم تقوم المجموعة بأداء المسرحية أمام جمهور محلي.

ومن جانبها، تقول فيكتوريا لابتن: «نحاول العمل على دعم المشاركين لدينا كي يشعروا بذاتهم وتحكمهم في مقدرات حياتهم، ومن ثم يشعرون بأنهم قادرون على المساهمة في مجتمعاتهم.

وأن لهم تأثير في حياتهم وحياة من حولهم. ويحقق لهم ذلك أسلوب التعلم القائم على اللعب وفن المسرح، حيث يساعدهم على بناء واكتساب مهارات حياتية، والتي قد تكون مهارات اتصال أو تعاطف أو بناء الثقة بالنفس أو الشعور بقيمة الذات».

انحصرت أنشطة جمعية «سيناريو» في البداية على اللاجئين السوريين والفلسطينيين فقط. وتواصل فيكتوريا الحديث قائلة: «لقد أدركنا سريعاً وتحديداً خلال عام أن الأمر لم يكن مفيداً، خاصة في ظل التوترات القائمة بين المجتمعات، علاوة على عدم الوصول إلى المستفيدين الأكثر احتياجاً لهذه الأنشطة إذا ركزنا فقط على اللاجئين.

ولذلك، قمنا بتوسيع دائرة تركيز أنشطتنا لتشمل كافة الأشخاص المهمشين بغض النظر عن الجنسية. إن فن المسرح يمتلك القدرة على جمع الفرقاء في المجتمع، وجعلهم يشعرون كأنهم أسرة واحدة».

لقد استطاعت جمعية «سيناريو» أن تقدم في عام 2019 فقط 15 عرضاً مسرحياً إبداعياً في الأردن ولبنان. وباستثناء المؤسسين، نجد أن معظم الموظفين ينتمون للمجتمع المحلي. وتدير هذه المؤسسة غير الربحية كذلك العديد من فرق كورال للأطفال والنساء، يغنون على أنغام موسيقى من كافة أنحاء العالم، بالإضافة إلى أغانٍ مبتكرة ألفها المشاركون أنفسهم كقصيدة تتألف سطورها من شطرين بينهما تناغم لفظي.

تطبيق تعليمي

أدى تدفق الأطفال اللاجئين إلى إجهاد الأنظمة التعليمية في لبنان والأردن، وتسبب التعليم متدني الجودة في تسرب الأطفال من التعليم وعدم ذهابهم إلى المدرسة، في الوقت الذي ترك فيه المعلمون، الذين عانوا من الإجهاد، المهنة وقدموا استقالاتهم.

وفي ظل هذه الظروف، قامت جمعية «سيناريو» بوضع كتاب لتدريب المعلمين تم تدشينه هذا العام في شكل تطبيق حمل اسم «بلاي كيت» لدعم المعلمين، الذين يعلمون أطفالاً تتراوح أعمارهم ما بين ثلاث إلى ثماني سنوات.

وتوضح فيكتوريا الأمر بقولها: «نحن نعمل في فلك الاستراتيجيات الوطنية، التي تتعامل مع هذه الأعداد الجديدة في السكان، وذلك من خلال المساعدة على زيادة جودة التعليم. ويُعد تطبيق «بلاي كيت» أحد أشكال تقنيات التعلم في القرن الحادي والعشرين. ويمكن لهذا التدخل البسيط أن يُحدث تأثيراً كبيراً في منظومة عمل الفصول الدراسية وأن يساعد على إبقاء الأطفال في المدرسة».

وبالنسبة لما يقدمه التطبيق، نجد أنه يضم المئات من الأنشطة القائمة على اللعب، والتي من بينها ألعاب وأغانٍ وقصص تفاعلية وأدوات للمساعدة في إدارة الفصل الدراسي. وتأتي هذه الأنشطة في شكل مقاطع فيديو إرشادية وبطاقات فلاش ومسارات موسيقية وإرشادات تعليمية خطوة بخطوة.

من بين المواد التعليمية، التي يغطيها التطبيق: اللغات والرياضيات والصحة والعلوم الطبيعية والإنسانية والتعلم الاجتماعي والعاطفي. ويتوفر التطبيق باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية. وبالحديث بلغة الأرقام وتحديداً من أوائل سبتمبر، فقد تم استخدام التطبيق من جانب 113 مدرسة علاوة على 1075 معلماً و28875 طفلاً.

ويخضع المعلمون أولاً لدورة تدريبية لمدة ثلاثة أيام قبل دمج التطبيق في أنشطة فصولهم الدراسية، لكن جائحة فيروس كورونا أوقفت التدريس المباشر داخل الفصول مع إغلاق المدارس. لذلك، قامت جمعية «سيناريو» بعمل مقاطع فيديو تعليمية قصيرة مدتها ثلاث دقائق، تُرسلها إلى أولياء الأمور ومُقدمي الرعاية للأطفال عبر تطبيق «واتس آب» لمساعدتهم في توفير العناية الدراسية لأطفال المدارس خلال فترات البقاء في المنزل.

ويرسل التطبيق المعني بعملية التعليم عن بُعد، في إطار برنامج «اتعلم من المنزل»، ثلاثة مقاطع فيديو جديدة كل أسبوع إلى ما يقرب من 2500 أسرة.

وتضيف فيكتوريا: «كانت هناك حاجة لأن تكون خطط هذه الدروس في متناول كافة الأشخاص بمن في ذلك الأميون أو ذوو التحصيل العلمي المنخفض، ولهذا السبب اعتمدنا على مقاطع الفيديو. وتضم هذه المقاطع الجذابة مجموعة من التعليمات حول كيفية تدريس درس اليوم، سواء أكان الدرس عن الصحة أو الرياضيات أو أي موضوع آخر في منهج ذلك اليوم».

تحصُل «سيناريو» على تمويلها من العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، في حين تأمل أن تتمكن من خلال حصيلة الاشتراكات في «بلاي كيت» من توفير التطبيق للمدارس دون دفع أموال اشتراك.

وفي الوقت الحالي الذي تواجه فيه لبنان مصاعب وصدمات جديدة، نجد أن هناك حاجة إلى مشروعات بناء المجتمع، التي تقوم بها جميعة «سيناريو» أكثر من أي وقت مضى. ومن جانبه، فإن فريق عمل فيكتوريا لابتن، على أتم الاستعداد لبذل المزيد من الجهد دون ملل أو كلل، ومصمم على تقديم المساعدة.

* باحث اجتماعي

 

Email