«مركز الرجال» للدعم النفسي والاجتماعي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«مركز الرجال يقدم المساعدة لكل رجل من أية جنسية لديه سلوكيات أو ضغوط أو ظروف قد تتخذ أشكالاً أو مظاهر عنيفة».

«مسكّرة معك؟ ما تؤذي حالك، ما تؤذي عيلتك»،«عم تحكي طالع نازل؟ ما تؤذي حالك، ما تؤذي عيلتك»،«مركّز علقسمة والضرب؟ ما تؤذي حالك، ما تؤذي غيرك»، هذه تساؤلات شكّلت قلب حملات أطلقتها «أبعاد»، المؤسسة اللبنانية المدنية التي تأسست عام 2011 بغية تحقيق المساواة بين الجنسين، موجّهة للرجال في لبنان، أياً تكن جنسيتهم أو أوضاعهم الاجتماعية.

حملة اختلفت عمّا اعتدنا عليه عادةً، حيث توجّهت حصراً إلى الرجال بطريقة «ذكية» من دون توجيه أصابع الاتهام لهم لا بل العكس بغية حثّهم على طلب المساعدة من«مركز الرجال» التابع للمؤسسة.

يخبرنا أنطوني كعدي، أن «أبعاد» تخصص الموارد للأبحاث عن هويات الرجال الذين يتسمون بالعنف في تعاملاتهم مع الآخرين سواء داخل عائلاتهم أو خارجها، لفهم أكبر لسلوكياتهم قائلاً «في مجتمعاتنا، غالباً ما يظن الأب أن الجميع يجب أن يطيعه وأن اللجوء أحياناً إلى العنف الجسدي في المنزل ضد زوجته أو أولاده أمر طبيعي. تماماً كمقولة «ضرب الحبيب زبيب» ما يعكس، بنظرهم، صورة الرجل المثالي: الرجل القوي والعنيف الذي يجب أن يحمي ويؤمن لقمة العيش».

ويشرح لنا كعدي «نحن نعتقد أن هذه الأدوار المفروضة على الرجال تتسبب لهم بالكثير من المشاكل بما فيها نوع الضغوطات التي يخضعون إليها وكيفية تعاملهم وتفاعلهم معها«. لكن ما دفع«أبعاد»إلى المضي قدماً في «مركز الرجال» هو النساء المعنّفات أنفسهنّ اللواتي قُلن: «نحن نفهم كل ما تقولونه، ولكن نتمنى أن تتحدثوا مع زوجي، أو أن يتحدث شخص ما إلى أخي.»

فالأكيد أنه من المهم تمكين النساء ولكن عندما لا يشمل العمل الرجال، قد لا تصل إلى النتيجة المنشودة.

وفي حملات التوعية التي أطلقتها «أبعاد» اعتمدت استراتيجية التحدث مع كل الرجال، أياً تكن وظيفتهم أو وضعهم الاجتماعي، لا على أنهم أفراد عنيفون لاسيما أن قلائل يعترفون بذلك لا بل على أن الضغوطات الحياتية أو الاجتماعية أو الاقتصادية تتسببّ لهم بسلوكيات غير صحيحة. وبفضل هذه الحملات، يريدون الوصول إلى أكبر عدد من الرجال للاتصال بهم والحصول على الدعم النفسي.

حملات التوعية ليست الطريقة الوحيدة لجذبهم إلى «مركز الرجال» حيث يخبرنا كعدي أن العديد منهم يأتون عن طريق عدد من الجمعيات التي تتعاون معها «أبعاد» في لبنان أو بعد اتصال من الزوجة أو الأم أو الشقيقة.

ماذا يحدث بعد أن يتمّ التواصل؟ يختلف الأمر من رجل إلى آخر إلا أن المركز يقدم الدعم والمساندة النفسية والاجتماعية ويساعد على تطوير تقنيات إدارة التوتر والغضب، ويتيح الفرصة للرجال لاكتشاف بدائل صحية وسليمة لإدارة ردات الفعل والتعامل بطرق غير عدائية..

خدمات يقدمها المركز، منذ إنشائه عام 2012، بشكل مجاني وسري وطالما يحتاجها الرجل. من هو هذا الرجل الذي يتصرف بعنف؟ يجيب كعدي «ما من مواصفات محددة للرجال الذين نقابلهم حتى إنكم قد تُفاجأون لمدى تنوّعهم لأنه غالباً ما تكون أفكارنا المسبقة غير صحيحة.

فعلى سبيل المثال، نفترض أن الأشخاص المتعلمين أو الذين يأتون من طبقة اجتماعية عليا لا يتصرفون كذلك على الإطلاق، لكن الوضع مختلف»، مضيفاً «بالنسبة لهؤلاء الأمر يصعب عليهم أكثر، هم الذين حققوا نجاحاً ما، الاعتراف بوجود مشكلة».

منذ انطلاقه، ساعد «مركز الرجال» مئات الرجال فهو الذي يستقبل كل الأعمار حتى لو أنه يفضل التركيز على الشباب. رجال يحضرون طالما يحتاجون. فنظراً إلى أن «أبعاد» تملك التمويل اللازم، هي لا تضع حدوداً للبرنامج.

وهنا يقول كعدي «نؤمن أنه من الصعب جداً أن يتغيروا ويوقفوا التصرفات السلبية بعد 30 أسبوعاً من المتابعة»، متابعاً «لذلك، نواصل متابعتهم كل ستة أشهر. لدينا رجال يتوقفون عن الحضور بعد عام أو يختفون بعد ستة أشهر وآخرون نرافقهم منذ سنوات عدة».

خدمات متواصلة دفعت «أبعاد» إلى افتتاح مركزين إضافيين في ربوع لبنان لاسيما أن الكثير من الرجال الذين يريدون التعبير عن أنفسهم يعجزون عن المجيء إلى بيروت مثل اللاجئين الذين لا يتمتعون بحرية التنقل أو أي لبناني أو سوري يعيش بعيداً وعاجزاً عن التنقل لساعة واحدة أسبوعياً.

توسعّ»مراكز الرجال«يعكس تغييراً في المجتمع ألا وهو الاستعداد للحديث عن المساواة بين الجنسين والعنف فيما الأمر كان مستبعداً قبل بضعة سنوات». ويشير كعدي «أظن التغيير هو أن المزيد من الرجال مستعدون للحدث عن هذه المواضيع والبحث في دورهم في مجتمع يتساوى فيه الرجال والنساء»، مضيفاً «التغييرات السلوكية ستحتاج للمزيد من الوقت لكنني آمل أن الأمور ستكون بحالة أفضل للأجيال القادمة».

قد يتطلّب الأمر سنوات عديدة إلا أننا سننجح في النهاية إذا أدرك الرجال أن مؤسسات مثل «أبعاد» تريد، على حد قول كعدي،«مساعدتهم ليكونوا أفضل نسخة من أنفسهم من أجل عائلاتهم والأشخاص المحيطين بهم».

 باميلا كسرواني  - باحثة اجتماعية

 

Email