مبادرة توعوية ضد البكتيريا المقاوِمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن شهد معاناة المرضى وخسارة الأرواح بلا مبررٍ في أجنحة المستشفيات في المملكة، أطلق محمد عبد الرحمن العقيل أول مبادرة توعوية ضد البكتيريا المقاوِمة.

يعتبر انتشار وباء البكتيريا المقاوِمة من أخطر التهديدات التي تواجه العالم، ومع ذلك فهي لا تحظى باهتمامٍ إعلامي كافٍ.

يعيش الشرق الأوسط تحديدًا في حقبةٍ يُطلق عليها «ما بعد المضادات الحيوية»، حيث تصبح هذه المضادات غير فعّالة مع المرضى، لأن الصيدليات لا تلتزم ببيع الكمية المحددّة منها ولا تزال الرقابة على الصيدليات متهاونة بهذه المسألة.

خلُصت دراسة متعدّدة القطاعات أجريت في الرياض عام 2017 أن 48% من المشاركين حصلوا على المضادات الحيوية بدون وصفات طبية معتمدين على مزيج من التشخيص الذاتي ونصائح الصيدلي، بحسب «مجلة العدوى والصحة العامة».

وقد حذّر معدّو التقرير بأن: «مشكلة صرف المضادات الحيوية بدون وصفة طبية تتطلّب تدخلًا سياسيًا وتطبيقًا للأنظمة القائمة التي تمنع صرفها دون وصفة. وندعو إلى اتخاذ إجراءات تضبط استخدام المضادات الحيوية وسوء استخدامها على أن تستهدف مقدمي خدمات الرعاية الصحية وعامة الناس».

وعلى الصعيد العالمي، يكمن جزء من المشكلة كذلك في الانتشار الواسع لاستخدام المضادات الحيوية في الزراعة وتربية الحيوانات، وتشير مراكز «مكافحة الأمراض والوقاية منها» (CDC) في الولايات المتحدة إلى أن شخصاً من أصل 5 أشخاص يكتسب مناعةً من بعض أنواع المضادات الحيوية نتيجة التعرّض للحيوانات والنباتات أو أكلها.

كما بيّنت أن مقاومة مضادات الميكروبات تُسبّب فعليًا وفاة 23,000 مريض حول العالم سنويًا. وإن لم تُبذل جهود مشتركة لإيجاد حل جذري لهذه المسألة، ستصبح مضادات الميكروبات المسبّب الرئيسي للوفاة بعد السرطان بحلول عام 2050.

يقول صاحب فكرة البرنامج محمد عبد الرحمن العقيل البالغ من العمر 23 عامًا، وهو طبيب متدرّب وناشط سعودي: «هل سننتظر حتى يحدث ذلك فعلًا؟ أؤكد لكم أنني لن أنتظر».

يُركّز طالب الطب الشاب اهتمامه على التأثير الشفائي «المذهل» للمضادات الحيوية والتأثيرات المدمّرة المترتبة عن سوء استخدامها.

يضيف العقيل قائلًا: «يجب أن نفهم بأن المضادات الحيوية سلاح ذو حدين، فهي نعمة حُبيت للبشرية لكنها تصبح خطرة بمجرّد الإكثار منها أو إساءة استخدامها».

عايش العقيل، الذي يدرس طب في الرياض، العديد من الحالات التي يعاني فيها المرضي ويموتون في أجنحة المستشفيات بسبب إصابتهم بمناعة ضد العلاج وتعرّضهم لمقاومة مضادات الميكروبات، المعروفة أيضًا باسم «البكتيريا المقاوِمة».

وهناك حالة واحدة رسخت في ذهنه، يسرد العقيل تفاصيلها قائلًا: «كانت قصة ليلى التي حدثت في أكتوبر 2016 هي البداية، فقد أُصيبت بكسر في إحدى الفقرات القطنية بالعمود الفقري وقام الجراحون بتصحيحها، لكنها عادت بعد ثلاثة أشهر مصابة بالتهابٍ رئوي حاد نتيجةً لسوء استخدام المضادات الحيوية ولم تستجب حالتها لأي علاج موجود في السوق، فبقيت في غرفة عزل الأمراض المعدية لبضعة أشهر قبل أن تفارق الحياة».

قرّر محمد العقيل في تلك اللحظة أن يتولّى المسألة بنفسه ويتصرّف. وبعد أسابيع قليلة، أطلق العقيل البرنامج السعودي التنظيمي المتكامل للمضادات الحيوية (ساير) تكريمًا لحالة ليلى.

ويقول: «حالة ليلى ليست الوحيدة بل واحدة من الآلاف غيرها حدثت في جميع أنحاء العالم. لذلك سأتحمّل المسؤولية وسأبذل كل ما بوسعي لتوعية العامة والحكومة والمؤسسات الصحية بهذه القضية، ليس فقط محليًا بل عالميًا أيضًا».

«أخشى فعلًا أن أفقد أحبائي والأشخاص المقرّبين مني، وأنا لست أصغر من أن أغيّر العالم وأناشد الجهات الدولية أن تتعاون معي وتساعدني في هذه المهمّة».

عملت مبادرة (ساير) على تنفيذ العديد من المشاريع البحثية وحملات التوعية الصحية منذ أواخر عام 2016. ويضيف العقيل: «نناشد الوزارات والجهات المحلية بالتركيز على مطالب الصحة والسلامة، نحن لا نضع الأنظمة بل ننادي بتنفيذها على النحو الصحيح».

يقول العقيل إن مبادرة (ساير) تعمل أيضًا وفق خمسة مبادئ تتمحور حول المرضى ومقدمي الرعاية الصحية والمنشآت الصحية وشركات الأدوية والصيدليات والبيئة.

ويقول: «قد يُفرط المرضى في تناول هذه الأدوية أو يُسيئوا استخدام المضادات الحيوية لدرجة أنهم قد لا يفهمون أعراضها الصحيحة مثل نزلات البرد والإنفلونزا، وقد لا يتناولوا الوصفة الكاملة من الدواء. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج مقدمو خدمات الرعاية الصحية إلى تطبيق أساليب طبية معيّنة في المجال لفهم الحالات التي تستدعي وصف المضادات الحيوية، ونحن نشجّعهم على وضع هذه الاستراتيجيات».

ويضيف قائلًا: «ينبغي على المستشفيات والمؤسسات أن توحّد جهودها وتشارك مع بعضها في وضع استراتيجية فعّالة لبرامج الرعاية، ونحن ندعو بقوّة إلى هذا التعاون».

يُشدّد العقيل على أن مقاومة مضادات الميكروبات تعدُّ عمليةً معقدة ومتعدّدة العوامل يمكن أن يكون لها تأثيرات مدمّرة على صحة وسلامة الأفراد والمجتمعات، فضلًا عن البيئة والاقتصاد. «تخيّل أن يصاب شخص بعدوى بسيطة ويتعذّر علاجه، أو حتى أن يحتاج لإجراءات أو عمليات جراحية بسيطة لكن لا يمكن إجراؤها، ألا يدعو ذلك للقلق؟»

«لهذا نناشد الحكومات والمؤسسات الصحية بضرورة التقيّد بالأنظمة وتقديم الدعم للأطباء الشباب كصنّاع قرار، وتطبيق استراتيجيات بحثية وحملات توعية جديدة للتعامل بشمولية مع هذه المسألة، إذ يؤمن برنامج (ساير) أن هذه الخطوات ستحل هذه المشكلة في المجتمع السعودي وبقية أنحاء العالم».

 باحثة اجتماعية

 

Email