أطفال في مهب الريح

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما بال بعض الآباء والأمهات هذه الأيام يلقون بأطفالهم في الطرقات، يقتلون براءتهم بأيديهم ويضعونهم على شفا حفر من الانحراف والضياع، والدمار، يأخذونهم للتنزه على شواطئ البحر أو في مراكز التسوق، وفي غفلة منهم يهربون، ويتخلون عن أبسط مبادئ الانسانية، تتحجر قلوبهم على نفوس صغيرة بريئة يفترض أن تجد عندهم كل الحب والرعاية.

إنها حالات نادرة لكنها قاسية، أب يترك ابنته الصغيرة حتى تلقفتها المارة وبذلت السلطات جهدا مضنيا للتعرف على والدها والوصول إليه، وهذه ترمي بثلاثة أطفال صغار على شاطئ البحر ثم تتركهم عراة جياع وتنكر صلتها بهم، ومواقف لحالات تتشابه ظروفها وإن اختلفت أسماء من يقومون بهذا الفعل ومن يتعرضون لنتائجها الوخيمة، جميعها تندرج تحت مسمى " اللانسانية "، " اللامسؤولية "، " اللامبالاة "، سموها ما شئتم فليس هناك أقسى من أن يلقي الانسان بفلذة كبده في الطريق الذي لا يلفظ أحدا، وكل الناس فيه على الرحب والسعة.

أعذار وأسباب يسوقها من يقدم على هذا الفعل، كأمهات بل وكبشر لا نستطيع تقبل أي منها مهما كانت صحتها، فلا شيء في الدنيا يدفع الأم أو الأب لأن يلقي بقطعة منه ويتخلى عنها نتيجة ظروف اقتصادية أو غيرها، فالحيوانات كرمكم الله تدافع عن صغارها بضراوة وتقاتل حتى الموت من أجل الحفاظ على صغارها، وتمنع الاقتراب منها، فما بالنا بالإنسان .

نقول من العبث أن تجبر السلطات الأمنية أو الاجتماعية هؤلاء الآباء والأمهات على رعاية أبنائها، فهذا الشيء يأتي طواعية بالفطرة، ومن فقدها فلا تستطيع أي قوة على وجه الأرض أن تدفعه لذلك، بل ربما تعرض الصغار بين أيديهم لما هو أخطر وأبشع من إلقائهم في الطرقات، ولا يزال مقتل الطفلة " وديمة " على يد والدها و زوجته ماثلا أمامنا، ويشعرنا جميعا بالذنب تجاهها .

نتمنى من السلطات المختصة بالرعاية الاجتماعية، وهي تدرس هذه الحالات، أن تكون الحلول التي تقترحها أكثر شمولية بحيث تشرك المجتمع بأكمله برعاية هؤلاء الأطفال وتتجاوز تقديم المعونة المالية إلى متابعة هؤلاء في المدرسة وفي الحي وأن تفعل دور الأسر البديلة التي من الممكن أن تضمهم إلى أطفالها لساعات أو لأيام و ترعاهم إلى أن يكبروا ولا تتركهم بأي حال لمن نخشى أن يمارسوا ضدهم ما لا يحمد عقباه، متى ما شعروا بغياب الرقابة و المتابعة.

وفي هذا لا ضير في تسجيل أسماء وعناوين الأسر التي تبدي استعدادا لمد يد العون، وهذه الجهات التي نأمل أيضا أن يكون لديها سجل بأسماء الأسر التي تعاني فقرا وعوزا، وتكون الأسر الميسورة الملاذ الآمن تلجأ إليها الجهات لتأمين احتياجات الأسر المعسرة ماديا وترعى أبناءها اجتماعيا في مجتمع يتنافس أهله على التكافل وفعل الخير.

 

Email