من الأرض إلى الأثير

شكّلت النخلة رمزاً محورياً في جناح دولة الإمارات في إكسبو 2025 أوساكا، ضمن رؤية تستلهم شعار جناح الدولة «من الأرض إلى الأثير»، لقد كان هذا الشعار دعوة للتأمل في العلاقة بين الموارد الطبيعية والتكنولوجيا، بين الجذور العميقة في الأرض والطموحات الممتدة إلى الأفق، وهو ما عبّرت عنه النخلة بوصفها شجرة عريقة متجذرة في التراث الإماراتي، ومرتبطة بثقافة الاستدامة منذ القدم.

في تصميم جناح دولة الإمارات، لم تكن النخلة مجرد عنصر رمزي، بل تحوّلت إلى مادة معمارية حية. فقد استخدم المهندسون والمعماريون سعف النخيل في صناعة واجهات الجناح وأجزائه الداخلية، في تجربة معمارية مبتكرة جمعت بين التقنيات الحديثة والمواد التقليدية المستدامة.

وأسهم هذا التوظيف الواعي لسعف النخيل، بما يحمله من خصائص بيئية وعزل حراري، في تخفيض استهلاك الطاقة، وتأكيد التزام دولة الإمارات بمبادئ الاقتصاد الدائري والممارسات البيئية الصديقة للمناخ.

ويعكس هذا التوجّه بعداً فلسفياً عميقاً، فكما أن النخلة كانت في الماضي مصدراً أساسياً للحياة في البيئة الصحراوية – توفّر الظل والغذاء والمواد الخام للبناء – فإنها اليوم تُستعاد بوصفها مكوّناً من مكونات المستقبل.

لقد تم توظيفها لتجسيد العلاقة بين التراث والابتكار، بين الأصالة والمعاصرة، وهو ما يتوافق مع هدف جناح الإمارات في إكسبو، الذي يسعى إلى تقديم نموذج تنموي متجذّر في القيم المحلية، منفتح على آفاق المستقبل.

ويأتي هذا الاستخدام المستدام للنخلة ضمن رؤية أوسع تسعى إلى تعزيز الهوية البيئية للعمارة الإماراتية في المحافل الدولية. فاختيار النخلة ليس فقط لاستخدامها كمادة إنشائية محلية، بل لأنها تُجسّد مفهوماً ثقافياً مرتبطاً بالكرم والاستدامة والارتباط بالأرض.

إن إعادة توظيف النخلة في العمارة الحديثة، كما في جناح إكسبو، يُعد امتداداً لثقافة إماراتية عميقة تُقدّر البيئة وتُعيد صياغة علاقتها بها من خلال الابتكار.

إن حضور النخلة في جناح إكسبو الإماراتي يعكس تمثيلاً بصرياً ومعنوياً لشعار «من الأرض إلى الأثير». فالنخلة، بجذورها الضاربة في الأرض، وجريدها الممتد نحو السماء، تمثّل تلك الصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل؛ بين بيئة كانت تُبنى فيها البيوت من سعفها، ومستقبل تُبنى فيه الأفكار والطموحات على قيمها البيئية والرمزية.