الصبر سلة المشاعر الجميلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثير من العقبات التي تطرأ في حياتنا، أو الكثير من المشكلات التي تواجهنا في مسيرتنا اليومية، هي بطريقة أو أخرى، نتيجة لفقدان الصبر أو عدم التحلي بالأناة وطول البال وسعة الصدر، لا أقول جميع الهموم وكل القضايا، فبطبيعة الحال، أن أي تعميم يعتبر مخلاً، لكني أجزم بأن معظم ما يواجهنا، هو نتاج لفقدان خصلة الصبر وفضيلته العظيمة.

والصور عديدة، والأمثلة متنوعة، وهي مشاهدات يومية، تلفحنا بشكل متكرر ومستمر، على سبيل المثال، انظر لحالنا على الطرقات، وخلال الازدحام المروري، حيث تجد البعض سريع الغضب، وهو أمر ينعكس مباشرة على سيطرته وتحكمه بالسيارة التي يقودها، حيث تجده يستخدم أبواق التنبيه بشكل مبالغ فيه، وفي أحيان يخرج يده من النافذة الزجاجية، وتشاهده يلوح بها مهدداً ومتوعداً، هذه مشاهد لا فكاك منها، قد تكون مرت بنا جميعاً مرة أو أكثر، وإذا لم تشاهدها حتى الآن، فالأيام القادمة، كفيلة بأن تشاهدها، وإن بطريقة أو أخرى.

وأما على مستوى العمل والوظيفة، فحدّث ولا حرج، لأنك ستجد كماً هائلاً من المشاكل التي حدثت بين زملاء المهنة ورفاق الإنتاج، فاتسعت بينهم الهوة، وكبرت الفجوة، وباتوا في خصام وجدال دائم، والسبب ببساطة، قد يكون خطأ وقع من هذا أو ذاك، وهو ذلك الخطأ الذي يعتبر من صنف الحتمية في كل عمل ووظيفة، فما دمت تعمل، فلا بد أن تخطئ، ولكن المهم هو تلافي الأخطاء، وعدم تكرارها، والتعلم منها، الذي يحدث أنه بسبب فقدان الصبر، وعدم وجود الأناة، تقع الخصومات والمشادات، وقد تستمر، فيسود جو العمل مشاعر غير صحية من التوتر والغضب المستمر.

ولنذهب عند روح المجتمع وكيانه الأول، بل ومصدر قوته، وهي الأسرة، حيث تجد في مختلف العالم العربي، والخليج على وجه الخصوص، أرقاماً مهولة من الطلاق، وانهيار العلاقة الزوجية بشكل سافر وسريع وغير مبرر، وعند التعمق في أتون المشكلة، تجدها عادية، أو من الطبيعي وقوعها، ولكن بسبب أن الرجل أو المرأة، يفقد ميزة الصبر، تثور المشاعر، ويفقد كل طرف أعصابه، وفي لحظة يتم هدم كل شيء، وقتل الحب وكل مشاعر جميلة بكلمة واحدة، وهي الطلاق، والقصص في هذا الإطار غريبة بحق، حيث تجد من طلق زوجته بسبب تأخرها في تحضير طعام الغداء، أو امرأة خرجت من منزلها ورفضت العودة، وتصر على الطلاق، لأن زوجها وصفها في لحظة غضب، بأنها تشبه الدجاجة.. والذي أشير له، أننا بحاجة لتعلم قيمة الصبر، والحكمة في معالجة همومنا وقضايانا اليومية، ومشاكلنا التي لا فكاك من الوقوع فيها.

وفي هذا السياق، أتذكر كلمات جميلة للمؤلف بول سويني: «كيف لمجتمع يعيش على البطاطس المهروسة، والحلويات المعلبة، والأغذية المجمدة، والصور الفورية، أن يعلم أبناءه الصبر؟». وبحق، نحن نفتقد لهذه القيمة الإنسانية الباذخة الجمال، والعظيمة الدفء، وهي الصبر، وبحاجة فعلية لتضافر الجهود، لتعويد أنفسنا أولاً، وتعليم أبنائنا على قيمتها، والعمل وفقها، وأؤكد أننا بتعليم صغارنا الصبر، فإننا في الحقيقة نحميهم، ونضع سياجاً كبيراً وقوياً، يحميهم من المخاطر والعقبات، فالغاضب أعمى، لا يرى الحقيقة، وقد يرتكب جريمة.

إن الصبر سلة من المشاعر الجميلة الصادقة.

Email