إنه الجحود.. لكن لماذا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

 يقال إنه نوع من نتائج المدنية والحضارة ووهجها، وأعتقد أنه سلوك أي إنسان تخلى عن أبسط مقومات الحياة الإنسانية القويمة، وبالتالي، تجاهله لما يسمى الأخلاق والتسامح، وما يعرف برد الجميل. وبالتالي، فإن الحضارة لا شأن لها بهذا الانحراف، وكل هذا الإنكار والجحود. يضج رأسك وأنت تشاهد كل هذه الأعداد من الآباء والأمهات، الذين أضناهم الزمن، وتقدم بهم العمر، فعاشوا في أرذله، فلم تكفهم آلام الشيخوخة، حتى يصابوا بالجحود والإنكار والطرد من أقرب الناس إليهم، إنهم فلذات أكبادهم، بناتهم وأبناؤهم. هذا السلوك ليس في بلد دون سواه، ولا في وطن دون آخر، بل إنها حالة تمتد من المحيط إلى المحيط، بمعنى أنها تسود العالم بأسره، قد نفهم حدوث مثل هذه القصص، وكل هذه المشاهد في الغرب، الذي استبدل مؤسسة الأسرة الصغيرة وفككها، وقام ببناء مؤسسات مدنية للرعاية الاجتماعية، كبديل لتخلي الابن عن أبيه، أو عند رمي الأم لصغيرتها، لكن أن تكون هذه المشاهد في بلدان عربية، بل وتهيمن عليها القيم الإسلامية، والمثل العربية الأصيلة، فإنها بلا شك ظاهرة جديرة بالتوقف والدراسة والبحث، القضية ليست في ابن جاحد، لم يجد قانوناً يردعه ويعيده إلى صوابه، أو في فتاة تنكرت لأمها، ولم تجد من يوقظها من سبات الغفلة، والران الذي طغى على قلبها القاسي. ليست هذه المعضلة، إنما يكمن الألم الحقيقي، في أن تكون هذه المواقف ظاهرة ومنتشرة، وتلفحنا القصص يوماً بعد آخر، تختلف أحداثها وتفاصيلها، لكن عنوانها الرئيس، هو جحود الأبناء للوالدين. 

الابن الجاحد، لا يبدأ بهذه الخطوة مباشرة، إنما يقوم بسلسلة من المواقف الدنيئة تجاه والديه، أو أحدهما، فهو في الخطوة الأولى يبدأ بالتجرؤ عليهما بالصد، ثم بالكلمات القاسية، وبعدها ينتقل لمرحلة ثانية، وهي اختيار أسوأ مكان في المنزل لإقامتهم، وكل خطوة تأخذ أمداً وزمناً، خلاله يطحن الأب أو الأم تماماً، ويداس على قلوبهم بقسوة، ففضلاً عن شيخوختهم وكبر سنهم، وبسبب هول الصدمة، تكثر أمراضهم، فيجدها الابن، أو حتى الابنة، فرصة للتخلي عنهما نهائياً، بزجهم في إحدى دور رعاية المسنين، وتكون الزيارات شبه يومية أولاً، ثم مرتين كل أسبوع، فمرة كل شهر، ثم يحدث الانقطاع النهائي، لدرجة أن مسؤولي شؤون الرعاية الاجتماعية، يتصلون مرات ومرات على الأبناء، على أمل أن يتفضلوا بزيارة لآبائهم. ولكن لا أحد يرد، وإذا حدث وتلقوا رداً، فيسمعون وعوداً واهية، دون وفاء.. لنتصالح مع آبائنا وأمهاتنا، ولنبدأ صفحة جديدة معهما، ولنتذكر قوله تعالى: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ»، سورة الإسراء.

Email