محارب هذا العصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يغلب علينا في هذا العصر اللجوء لتفسيرات خارجية ومادية عندما تتغير الأمزجة على نحو سلبي، ونشعر بآلام واضطرابات أو تغيرات نفسية. التفسيرات تكون دائماً مبررة لهذه التغيرات الذهنية، نميل للبحث عن سبب طارئ لم نسيطر عليه لنفسر هذا الخذلان والتعسر في المزاج. سواء كان السبب يتعلق بضغوطات العمل، توقعات الناس العالية، الراتب، صعوبة المناهج والتعليم، اختبارات متتالية، خلافات بين الأصدقاء، سوء فهم، حياة روتينية ومملة. أياً كانت هذه الأسباب الخارجية التي تعتقد أنها السبب في تكدر مزاجك، هي حقيقة ليست السبب. إذا قررت أن يتعكر صفو مزاجك فسوف يتعكر حتى لو كنت في أجمل بقاع الأرض وبكامل عافيتك، وحسابك البنكي زاخر بالوفرة، وليست لديك أي أعمال عالقة. مالسبب؟

أول خطوة لحل المشكلة، هي معرفة ماهيتها بالتحديد. ليتعافى الإنسان من آلامه عليه تحديد ومعرفة ومواجهة جوهر الأفكار الراسخة لديه. هل هي أفكار سلبية عن الذات والمستقبل تسبب له حالة من انعدام الحافز والخذلان؟ أو ربما النقيض تماماً والنقيض لا يعني نتيجة مغايرة، فتضخيم الذات والنظرة اللاواقعية للمستقبل لا تعني إلا إحباط وحيرة. هل من الأفكار الراسخة الشعور بالخوف من حدوث المخاطر والظروف الطارئة؟ هل هناك خوف محدد من أمور معينة تستدعي الشخص أن يتجنبها ويحرم نفسه من التجربة؟ هل هناك حذر وشك متكرر تجاه القيام بالأفعال الروتينية تدفع الشخص بالشعور بالتوتر وعدم الراحة طوال اليوم؟ هل هناك شعور غامر باليأس وفقدان القدرة على التفكير السوي في كيفية حل المعضلات؟

إن الاعتراف بالمشكلة بعد تحديد ماهيتها هو الخطوة الثانية لعلاجها، وهذا يتطلب مواجهة الذات وكثير من الإصرار على تغيير العادات النفسية الخاطئة. على المرء أن يقوي إيمانه العميق بذاته، وألا يسمح لظروف الحياة القاهرة أن تشعره بعدم وجود منافذ للخلاص.

إن المحارب في هذا العصر، ليس الفارس على صهوة جواده، أو المقاتل في الميدان، بل هو ذاك الذي يتحلى بالقوة النفسية والعقلية التي تجعله يواجه نفسه ونقاط ضعفها، ليطورها وينطلق بها في هذه الحياة بكل ما تحمله من إحباطات وصعوبات وضغوطات، ليتفوق بإيجابيته وقوته وفعاليته، وهذا لا يأتي إلا من خلال التحلي بالشجاعة لاقتحام الحياة.

 

 

Email