وجهة نظر

الأدب قبل العلم

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يتبادر إلى الذهن طرق تنشئة الجيل وأهميتها، يكون واضحاً أن التنشئة السليمة لا تبدأ في المدرسة، وإنما يبدأ ضبط إيقاع السلوك الحسن من المنزل، فالمنزل هو المدرسة الأولى التي يتسنى للأبوين فيها تنشئة ابنٍ ذي سلوك قويم، يغدو بعده مؤهلاً لتلقي العلوم والمعارف، ولذا تكون البداية بحرص الأب والأم على تربية الأبناء تربية حسنة، من خلال القدوة الصالحة، وتوجيه البنين إلى السلوك القويم، وإرشادهم إلى احترام القيم المجتمعية الفاضلة، والحفاظ على حقوق الآخرين، واحترام النظم العامة، والتحلي بمكارم الأخلاق، وعدم التغافل عن قدراتـهم وإمكاناتهم واهتماماتهم وتنمية مواهبهم، وشغل أوقاتهم وتوجيه طاقاتهم، بما يعود عليهم بالنفع، وتعديل سلوكهم عند الخطأ.

وعلى الرغم من أن كثيراً من الآباء والأمهات يحرصون على تعليم أبنائهم العلوم المختلفة، ويبذلون في سبيل ذلك الغالي والنفيس، إلا أنّ هذا لا يغني عن العناية بتعليمهم الآداب والقيم، وتقدير العلم وأهله، والالتزام بسمة أهل الفضل، ففي كل هذا تهذيب لأخلاقهم، وتحسين لطباعهم، فحاجة النشء للأدب وحسن الخلق تقدم على حاجتهم إلى العلم.

وكان السلف الصالح يحرصون على تعليم أبنائـهم الأدب قبل العلم، قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: كانت أمـي تلبسني الثياب وتعممني، وتقول لي: اذهب إلى ربيعة، فتعلم من سمته وأدبه قبل علمه.

فالعلم وحده لا ينتفع به، ما لم تخالطه طهارة القلب، وخلوه عن مساوئ الأخلاق، ولعل هذا الأمر هو ما دفع العلماء إلى اشتراط أن يتتلمذ طالب العلم للعلماء وليس للكتب، وما ذلك إلا ليتأكدوا من تخلقه أولاً بأخلاق العلماء، وتحليه بأدبـهم، ويظهر عليه سمة العلم ونوره، ومما يدل على علو منزلة الأدب والأخلاق أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد جمع بين العلم والأخلاق والأدب، ولمّا أثنى عليه ربه سبحانه أثنى عليه بالأخلاق، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}.

Email