مسؤوليتنا وليس أنفسنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مختلف الدول والمجتمعات البشرية، تجد هناك فئات تكدح وتتعلم وتتعب وتبني قدراتها وتنمّي مواهبها، في سبيل تحقيق الطموحات الشخصية والرفاه والسعادة، وبطبيعة الحال نتائج وثمار هذا التعب والتعليم والاستعداد للمستقبل، الحصول على وظائف مرموقة وتقلد مواقع إدارية مميزة، من خلالها يقدمون خدماتهم وخبراتهم للمجتمع، وهذا هو دور الوظيفة العامة، بطبيعة الحال هناك من يولي هذه المهمة العناية الكاملة والاهتمام التام - وهم كثر ولله الحمد - وهناك فئة قليلة جداً، ستجدها في كل مجتمع وبلد، تعتبر هذه المكانة، وهذه الوظيفة استحقاقاً وحقاً من الحقوق الشخصية، ونتيجة طبيعية لتميزه وتفوقه، فلا يبحث عما يخدم الناس ويسهل عليهم حياتهم، بل على ما يخدمه بشكل شخصي وما يحقق المكسب الخاص، أياً كان نوع مثل هذه المكاسب، سواء أكانت مادية أو شهرة أو وجاهة اجتماعية، أو نحوها من الجوانب التي تعتبر مكسباً لدى هذه الفئة، وهي في الحقيقة خسارة واضحة وتامة.

بيتر اوستينوف، الكاتب والمؤلف المسرحي، والممثل الهزلي والفكاهي، الذي كتب عاموداً صحفياً في عدة صحف ومجلات، هذا الموهوب يقول: «ما يجب أخذه على محمل الجد، هو مسؤوليتنا وليس أنفسنا».

أعتقد أن وجود مثل هذه الشخصية في أي مجتمع من المجتمعات، بديهي ومقدر، وأجد أن أفضل وصف يمكن إطلاقه عليها هي الأنانية والذاتية، لأنه ينطبق على حالة إنكار حجم المسؤولية المناطة به، ويقوم بتقديم نفسه ورغباته على هذا الهم العام.

ومن هذه النقطة تحديداً تأتي الأنظمة والقوانين التي تنظم علاقة الموظف العام بجهازه الإداري، وتحدد مسؤولياته والواجبات عليه، وأيضاً تؤطر الصلاحيات ومجال تحركه، لتصب في خدمة المجتمع، ويكون دوره مشرفاً ومراقباً لانتظام حركة التعامل بين إدارته والجمهور.

ودون شك أن دخول التقنية الحديثة من التطبيقات والخدمات الذاتية، خففت من مثل هذه الحالة، وجعلت الأمور أكثر يسر ومرونة بعيداً عن التعقيد، وإن بقيت في كل مجتمع تلك الأنفس الأنانية.

Email