لوحة من الحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أركن هناك بعيداً على حافة الرصيف، قد تكون تلك الحياة الهامشية ابتلاء طال به الزمن، وبالصبر اجتازه، أتأسف على شباب يلوح كالسراب، ويأتي بعده عمر خريفي أنتظر بعده أياماً مزهرات لعلها مدخرة لي في حصالة الزمن، استوقفتني لوحة رسام وريشة داعبت الإحساس، قد تكون تلك اللوحة تعانق قلباً قد كساه الليل بسكون اللحظة، وأدمته عقبات وأشواك، انغرست من صدمات بشرية وتقلبات الأحوال، خربشات لوحة توقفني، لأعيش شعوراً لا أحد يترجمه سوى رسام يداعب خياله، ليتوقف عند إحدى محطات قطار الحياة، وتلك الأوراق الصفراء الخريفية المتساقطة بشكل عشوائي، وكأنها سنين العمر الماضية، قد أصبحت تلك الأوراق ماضياً يداس، ليتحلل في الذاكرة يغذيها بالذكريات، وما تبقى من أوراق أسقيها بماء الرضا، لتعانق السماء شامخة، تتخللها أشعة الشمس، تكسوها برونق الحياة وضيائها، لا تجعل قلبك يشيخ بمواقف البشر، فتلك الأوراق الخضراء المتبقية قد قررت ألا تضعف أمام عواصف الحياة، تتحدى الميل وصمودها لبقية عمر قد بات لا يعنيها المارة بشيء، سوى حركة المكان توحي بأمان، وما زالت الحياة تسري في شرايين جذع الشجرة، لتصمد أمام تحديات الزمن، قد يكون عطاؤها وظلالها لتعمر في الحياة ولو كان دون مقابل، حتى لا تشيخ مجدداً، وتهرم تبكي على أطلالها الطيور، رسالة للفنان بأن يرسم بها المزيد من الأغصان المملوءة بالأوراق، لتظلل المكان بأكبر مساحة، رغم أن المارة بها ليسوا بالقلوب نفسها، قد تحتضنها قلوب مؤمنة بكل حي على الأرض يستحق الاحترام، ويستحق أن يعيش، قلوب ليست أنانية، قلوب اتسعت مدارك علمها وشعورها نحو كل الطبيعة بمختلف مكوناتها، هنا يستحق هذا البشر كما كان لطيفاً حتى مع الأشجار أن يعيش بأمان واستقرار وسلام داخلي، لأنه تناغم مع الكون، لأن في نهاية اللوحة طيوراً هاجرت في وقت المغيب بلا رجعة، شعور حزين وعيني عند أول طير قد تلاشى بعيداً، تتبعه بقية الأسراب، محلقة بعيداً نحو حياة أخرى وأمكنة أخرى وعمر آخر، وبشر من نوع آخر، لأن المكان لا يستحق الحياة، ولا يستحق تغريدها، وهي لا تحتاج إلى شيء سوى الأمان.

Email