حكاية ليلة شتاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

أن تختلي بنفسك هو أن تبتعد عن ضجيج البشر، فالخلوة مع النفس وعشق جو الهدوء ليسا مرضاً كما يفسره البعض، وإنما محطة يحتاج إليها الإنسان ليستعيد شيئاً من أنفاسه، وتسترخي أعصابه وقواه من مشاغل الحياة وضوضائها المعتادة، واستجمام مع النفس بدون تقنيات.

حاور نفسك في صباح دافئ، اجلس في حديقة بيتك لتتغلغل في جسدك أشعة الشمس وتذهلك، وتستمع لسمفونية عصافير كأنها في حفل لاستقبال الصباح، وتلك قطرات الندى على وريقات الزهر تبلل جفاف قلبك من كوارث البشر، ولو أطلت النظر في جذع الشجر فهذا يأخذك إلى أن تتكئ بصمود وثبات على مواجهة ظروف الحياة وتحدياتها، وخرير الماء في الحقل يجعلك تستعيد الحياة في نفسك اليائسة، وكأنه يضخ في قلبك الدم، ليسري في جسمك، وينقذك من جلطة اكتئاب أصابتك. خذ مداد قلمك من ضوء القمر، لتكتب قصيدة على تموجات الرمال، ولهيب النار يوقد حماسك بكوب شاي في ليلة شتوية أمام خيمة شيدتها بضع ليالٍ، لتتمتع بشتاء جاء بعد صيف حارق.

ولو سافرت لتنتقل إلى أماكن خيّم عليها الثلج وكساها، فوقت الظلمة يبدده تساقط الثلج، وتبدو تلك اللحظات مزدحمة بعبارات لا تكاد تنطق لتجمد الأجواء، وتلهمك تلك الساعات بلون البياض والنقاء الذي يزاحم سواد الليل، لونان متضادان تتعلم منهما معاني كثيرة في الحياة المتداخلة، فالحياة تتقلب بحلوها ومرّها، وليلة الشتاء تثير فيك حكم الحياة التي لا تسير على حال، لا ترتجِ نهاية الشتاء، وعش لحظاته، واكتسب منه الحكمة، واسردها في كلمات حروفها متجمدة، والأماني سراب في حر الصحاري تجمدت في جو الشتاء تنتظر الربيع والزهر وإشراقة الأمل، وإذا حل الخريف تساقطت أوراقه، لتتجدد وتستشرف الآتي، لعله أجمل مما مضى، وهكذا هي دنيا، والرضا عمق السعادة، لا الصيف يجدي، ولا الربيع يرضينا، وفي الشتاء انكمشت أحلامنا، تنتظر خطة مكتوبة بمداد ذوبان الثلج، لتنصهر في الصيف، وتنبت ثمارها في ربيع العمر.

Email