الشهيد في ذاكرتنا الوطنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الذاكرة الوطنية مكوّنٌ أساسيٌّ من مكوّنات الدولة بمفهومها الوطني الشامل، والدولة التي تفقد ذاكرتها لا تملك مقوّمات الاستمرار كدولة، والسؤال هنا مَنْ أغلى من الشهيد ليكون الصورة الأبرز في ذاكرتنا الوطنية الجمعية؟

دعونا نتحدث اليوم في مناسبة يوم الشهيد بعيداً عن العواطف وقريباً من التفكير الاستراتيجي لمستقبل العلاقة بين المواطن الإماراتي والوطن الإماراتي، فالشهيد الذي بذل أغلى ما يملك، حياته، في سبيل الله دفاعاً عن الإمارات ودينها ووجودها ومصالحها يستحق منّا جميعاً أن يبقى حاضراً في ذاكرتنا الوطنية وفي مناهج تربيتنا وقنوات تواصلنا لكي يكون تذكيراً دائماً لنا بأن الأوطان تُبنى بتضحيات أبنائها، وتذكيراً للمقصرين أو المترددين بيننا أنه مهما بذلتَ، فإن هنالك من بذل أكثر منك، والوطن دائماً يستحق منا المزيد.

وعندما نقول إن الشهيد بذل أغلى ما يملك، فدعونا نتذكر أن الوطن هو أغلى ما نملك نحن جميعاً، لذلك فإن من يقدّم أغلى ما يملك هو «كفرد» في سبيل الله دفاعاً عن أغلى ما نملك نحن «كمجتمع»، يكون قد قدّم أعلى درجات الإيثار والتضحية والفداء، الأمر الذي يجعل له دَيناً مستحقّاً في أعناقنا جميعاً.

القيادة الرشيدة قامت بخطوة ذكية ولمّاحة عندما اختارت يوم الشهيد في ذكرى استشهاد البطل سالم سهيل الذي يأتي قبل يومين فقط من اليوم الوطني، أي ذكرى تأسيس الاتحاد، وهذا الربط بين الشهادة وتأسيس الاتحاد يحمل في طيّاته رسالة عميقة لكل واحد فينا، فذلك الدم الطاهر الذي سال دفاعاً عن الإمارات هو الذي روى الجذور العميقة لشجرة الاتحاد وجعلها تنمو بقوة وتتجذّر بقوة، بحيث لا تهزّها أي ريح، ولا تخيفها أي عاصفة.

من هنا أدعو الجميع أفراداً ومؤسسات ضمن مجتمعنا الإماراتي المترابط إلى التعامل مع يوم الشهيد وذكرى الشهداء بمنطق يبني على البعد العاطفي (وهو ليس خطأ)، وينتقل به إلى العمق الاستراتيجي لمبدأ الاستعداد للبذل والتضحية دفاعاً عن الدولة ومصالحها بغض النظر عن مستوى ونوعية وطبيعة أي تهديد يمكن أن تتعرض له، وهو مبدأ يجب أن يتم غرسه في نفس كل إماراتي وإماراتية منذ نعومة أظفارهم وفاءً لهذا الوطن المعطاء.

ويومنا الوطني تذكيرٌ دائمٌ لنا أن هذه التضحيات لا تذهب سدى، فما أنجزته الدولة على المستويين الاتحادي والمحلي هو في واقع الأمر إنجازات متراكمة لكل مواطن، وأنا هنا لا أتحدث عن الشق الرفاهي من الإنجازات، وهو مهمٌّ ومطلوب، وإنما عمّا هو أعمق، أي الإنجازات الاستراتيجية التي حوّلت الإمارات كدولة بفضل الله تعالى أولاً، ثم عزيمة قيادتها وهمّة شعبها، إلى مركز استقطاب عالمي في مختلف مجالات الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية والإقليمية.

رحم الله الآباء المؤسسين بُناة الاتحاد، رحم الله شهداءنا، وأطال في عُمر قادتنا حُماة الاتحاد، ودام عزك يا بلادي.

Email