تَنَمُّر الصورة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤسفة جداً هي الطريقة التي تعاملت بها بعض مكوّنات مجتمعنا، من أفراد ومن مؤسسات، مع قضية الطالب الذي تعرّض للتنمر في إحدى مدارسنا، حيث مارسنا عليه تنمّراً من نوع آخر، لا يقل أذى وخطورة، هو تنمّر الصورة.

فسواء تحت مسمى التعاطف معه، أو إدانة ما تعرّض له، أو حتى تكريمه وتطييب خاطره، وقعنا في فخ «الفلاش»، فحوّلنا الفتى إلى صورة تتناقلها التغريدات والبوستات، دون مراعاة لمشاعره ومشاعر أسرته، وما ينتج عن تعميم صورته، والوصف المصاحب لها، بهذا الشكل من أذى نفسي تراكمي حاضراً ومستقبلاً.

وللأسف، فإن هذه ظاهرة أصبحت تنتشر كثيراً في الفترة الأخيرة، عنصرها الأهم، التركيز على الصورة بدون الاهتمام بالضحية، البعض يصوّر مصابي الحوادث، أو ضحايا التنمّر، بل وحتى الأطفال الأيتام وهم يتلقون الصدقات، أو يذهب بعيداً، فيقدم لهم حقائب مدرسية تحمل عبارات الصدقة، وهنالك من يتصوّر مع مرضى في أوضاع وحالات لا تسرّهم، ولا يكونون مستعدين للصور فيها، والأمثلة كثيرة على مثل هذا السلوك المقزز المرفوض من «تنمّر الصورة».

بينما الأصل قانوناً، أن ذلك كله مرفوض، فالتصوير عموماً لغرض النشر (حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي)، لا يجوز، دون إذن صاحب العلاقة أو وليه، كما أن تصوير الأطفال، حتى برضاهم، له محدداته القانونية، ولا يجوز أن نتساهل فيها، أو نغض الطرف عنها، خاصة من مؤسسات مكلفة إنفاذ القانون وحمايته. وفي كثير من دول العالم، لا يعتدّ برضا الصغير في المسائل التي يترتب عليها مخالفة القانون.

إنني أدعو الجميع، أفراداً ومؤسسات، إلى إعادة قراءة القانون الإماراتي المتقدم، قانون حماية الطفل (قانون وديمة)، لأن كثيراً مما دار في الأسبوع الماضي حول الطفل الذي تعرّض للتنمر، يتناقض مع أحكام وأغراض هذا القانون، وحريٌّ بنا جميعاً أن نحترم قوانين بلادنا، وإرادة شيوخنا الذين سنّوا هذا القانون، لحماية أبنائنا، وحماية كراماتهم صغاراً وكباراً.

كما أدعوهم أيضاً إلى قراءة متأنية لقانون الجرائم الإلكترونية، لعل هذا الهَوَسَ بنشر صور الآخرين كيف اتفق، يتوقف، بل إن البعض يصل به هذا الهوس، إلى نشر صور من اجتماعات حكومية ورسمية، يتضمن بعضها مسائل لا يجوز ولا يصح نشرها، إلا بموافقات رسمية، تجنباً لإشكالات يكون الأوان قد فات على وقفها حين تنشر بكل هذا الهوس.

يا سادة يا كرام، ويا مؤسسات يا محترمة، تماماً مثلما أنكم لا تحبون أن يكشف أحد ستركم أو ستر من تحبون، فإن الناس أيضاً لا يحبون أن يكشف سترهم أو ستر من يحبّون، خاصة الصغار، وما يتركه ذلك فيهم من تأثيرات نفسية واجتماعية.

احترموا الناس، فالتكنولوجيا ليست رخصة مجانية للإساءة للغير، وإذا لم تتذكروا أخلاقكم، فعلى الأقل تذكروا قانون «وديمة»، وقانون الجرائم الإلكترونية!

وفي الأثر «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»!

Email