وجهة نظر

طريق السعادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لدينا في الإمارات ثقافة متأصلة في نفوس الناس، لدرجة أن تصبح جزءاً من تكوين الإنسان الإماراتي، كأنها صبغة جينية موجودة في الحمض النووي للإماراتيين، إنها ثقافة العطاء وحب عمل الخير، ثقافة موروثة وجزء من عاداتنا وتقاليدنا.

وفي شهر رمضان الكريم تتعزز تلك الثقافة، ويصبح العطاء مقروناً بالوازع الديني، فيزداد حرص الناس على العطاء وفعل الخير، تجد الجميع يحرص على العطاء سواء كان غنياً أو فقيراً، في الماضي كانت أبواب المنازل مشرعة لأبناء السبيل، والمجالس مفتوحة وطعام الإفطار متوافر للصائمين،.

وقد تطورت الفكرة فتجد الآن الخيام أمام المنازل والمساجد لتقديم طعام الإفطار للصائمين، بعض المواطنين ممن أعرفهم يقيمون خياماً قرب المزارع والعزب لتقديم الطعام للعمال والفقراء، بل إن الأمر لم يعد مقتصراً على المواطنين، فقد امتدت عدوى العطاء للمقيمين على أرض الدولة من غير المسلمين، فتجد بعضهم يقدمون وجبات الإفطار للصائمين من المسلمين .

وتلك واحدة من أهم قيم رمضان، وواحدة من أهم القيم التي رسختها الدولة في الشعب بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو دينه، لقد رسخت قيم التسامح وحب الخير والمشاركة والتكافل والتعايش، لدرجة أن يصبح التسامح صناعة إماراتية خالصة، فتجد كلمة التسامح بالإنجليزية قد تعززت أكثر لدى الأجانب المقيمين على أرض الدولة، ويبدو أن بعضاً من رموز ثقافتنا المحلية في طريقها نحو العولمة، فتجد مثلاً إقبال الأجانب على صحن الهريس أو الثريد أو حتى اللقيمات، وتلك أطباق محلية تظهر بشكل أكبر في شهر رمضان المبارك.

جارة لنا من ذلك النوع الذي يعزز قيم العطاء والتسامح، وتجعل من أطباقنا الشهيرة أداة للتعايش والتواصل والمشاركة، وبالرغم من ظروفها القاسية غير أنها تجد في التواصل مع الناس فرصة للشعور بالحياة، فهي مسنة تعيش وحيدة في شقة صغيرة خاوية مؤجرة، فلم يعد لديها أحد، وقد هجرها الأبناء ليعيشوا حياتهم.

وبالرغم من قلة ومحدودية مواردها غير أنها تحرص على العطاء كل يوم طوال العام، فما إن يصلها راتب «الشونة» من الشؤون الاجتماعية حتى تشتري الطعام والهدايا، في الصباح، تنثر الطعام المخصص للطيور أمام منزلها وتحضر مقعدها لتشاهد العصافير والطيور وهي تهبط لتناوله، وفي فترة الظهر تحرص على توزيع السكر والأرز غير المطهو على العمال والفقراء، ثم في المساء تحرص على توزيع الهدايا الصغيرة على أطفال الحي لترسم السعادة على وجوههم الصغيرة، فتغمرها السعادة عندما تراهم سعداء، لقد عرفت طريق السعادة، إنه العطاء.

Email