الذكريات

ت + ت - الحجم الطبيعي

الذكريات محطات من الحياة لا تمحوها الأيام. تبقى في سجل الذاكرة مؤرشفة، ألبوم في رف الأيام نعود إليه متى أشعلنا الحنين لتلك اللحظات. شريط متواصل من فيلم الحياة. نسترجع إعادته لنتذوق ملامح وجوه وأشخاص لهم في القلب مساحة. ونرى مدى ما غيرته الأيام من جغرافية تلك العوالم البشرية.

ولتبقى الروح هي الأساس. الذكريات هي سجل أشخاص تركوا أثراً عميقاً في الروح لرحيلهم دون سابق موعد. قد يكون جرحاً عميقاً غائراً لا يلئمه سوى مسكنات الصبر وخيوط الدعاء. الذكريات قد تكون مؤلمة تجرعنا مآسيها مرارة الفقد والفراق، وقد تكون أفراحاً تلاشت سريعاً في لحظات، ذكريات أزمنة ماضية تبدلت في أعقابها كل الأحوال والعادات والأعراف.

ماذا عن تلك الأمكنة التي تركناها ورحلنا ومازالت الروح متعلقة بها. نحلم بها ونسرد روايات منذ الطفولة وحتى الرحيل. تشبثت بنا كطفل يتمسك بثوب أمه. تلك الأمكنة الوطن الأول في الحياة التي تعلمنا فيها براءة الطفولة.

وزمن صافي خالٍ من ملوثات النفس البشرية. تلك الأمكنة بيوت هجرناها وهي تصرخ ألم الوداع ليرجع الصدى يملأ المكان. ترابها ذهب تسلل بين أناملنا. أحجارها الصغيرة ياقوت يشع نلتقطها ألعاب عايشت طفولتنا نتسابق عليها.

وأصداف من رحلاتنا البحرية كنوز للوحة فنية في حصة الفن وإبداع الخيال الملهم من وحي المكان. بين حارات وسكيك الفرجان استبقنا ولعبنا وفجرنا قدراتنا ومواهب طفولية غذت عقولنا وأبهجت نفوسنا وكأنه مهرجان الطفولة. عندما أتكلم عن الذكريات فهي تأخذ من مشاعري الكثير. لأنهزم أمامها باكياً متوجعاً. قد تكون مواقف مضحكة عفوية.

وقد تكون أشخاص ووجوه وأمكنة. وقصص ملهمة عن جدتي غذت قريحتي بالقيم الفاضلة. وجيران تواصلنا معهم في الفرح والترح. وفي جلسات صباحية وأمسيات عصرية. لم أذكر أبي لأني فقدته في طفولتي.

خطفه الموت وفقدت سنداً في الحياة لا يعوض. تلك هي الأقدار وحكمة ربي. أذكر خالي إمام مسجد الحي. ورحلاته اليومية منذ الصباح الباكر إلى مزارع النخيل. ليعود محملاً بتمور وأرزاق يوزعها على الصديق والجار.

وتظل أمي هي الأمان في حياتي منذ نعومة أظافري. علمتني كيف أحافظ على صلاتي وبعثتني لأقرأ المصحف من تلاوات معلمات في مسجد قريتي. علمتني أن الفراغ أملأه بصحبة كتاب.

أبكتني على علامات شهادة المدرسة لأنها تأمل من أبنائها الخير والعلم والتفوق وحب الوطن. وتتوالى الأيام لنسترجع سلسلة من الذكريات. فلا تكن حبيس تلك الذكريات. فخذ منها مفردات الحياة الجميلة البسيطة. اجعلها حديث قصصي لأبنائك وأحفادك. واجعلها موسوعة قيم لا تبدلها الأيام والأزمان..

Email